شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب موكل الربا

          ░25▒ بَابُ مُوكِلِ الرِّبَا لِقَوْلِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} إلى(1) {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة:278-281].
          قَالَ(2) ابنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ على النَّبيِّ صلعم.
          فيهِ أَبُو جُحَيْفَةَ: (رَأَيْتُ أَبي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَثَمَنِ الدَّمِ، وَالوَاشِمَةِ وَالمَوْشُوْمَةِ(3)، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ المُصَوِّرَ). [خ¦2086]
          سوَّى النَّبيُّ صلعم بين آكل الرِّبا ومؤكله(4) في النَّهي، تعظيمًا لإثمه كما سوَّى بين الرَّاشي والمرشيِّ في الإثم، وموكل الرِّبا هو معطيه، وآكله هو آخذه(5)، وأمر الله عباده بتركه والتَّوبة منه بقوله تعالى: {اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ(6)}[البقرة:278-279]وتوعَّد تعالى مَنْ لم يتب منه بمحاربة الله ورسوله, وليس في جميع المعاصي ما عقوبتها محاربة الله ورسوله(7) غير الرَّبا، فحقٌّ على كلِّ مؤمنٍ أن يجتنبه، ولا يتعرَّض لما لا طاقة له به مِنْ محاربة الله ورسوله، ألا ترى فهم عائشةَ ♦ هذا المعنى حين قالت للمرأة الَّتي قالت لها(8): بِعْتُ مِنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ جَارِيَةً إِلَى العَطَاءِ بثمانمائةِ درهمٍ، ثمَّ ابتعتُها منهُ بستمائةِ درهمٍ(9) نقدًا، فقالَتْ لها عائشةُ: بِئْسَ ما شريتِ(10)، أبلغي زَيْدًا أنَّه قد أبطلَ جهادَهُ معَ رَسُولِ اللهِ صلعم إنْ لمْ يَتُبْ. ولم تقل لها: إنَّه أبطل صلاته ولا صيامه ولا حجَّه، فمعنى ذلك _والله أعلم_ أنَّ مَنْ جاهد في سبيل الله فقد حارب، ومَنْ أربى فقد(11) أبطل حربه عن الله تعالى، فكانت عقوبته مِنْ جنس ذنبه.
          قال المُهَلَّبُ: وهذه(12) الأشياء المنهي عنها في الحديث مختلفة الأحكام، فمنها على سبيل التَّنزُّه مثل كسب الحجَّام، وثمن الكلب، وهو مكروهٌ غير محرَّمٍ، وإنَّما كُره للضَّعة والسُّقوط في بيعه، ومنها حرامٌ بيِّنٌ مثل الرِّبا، وأمَّا شراء / أبي(13) جُحَيْفَةَ العبد الحجَّام، ثمَّ قال: نَهَى النَّبيُّ صلعم عنْ ثَمَنِ الدَّمِ ليحجمَه ويخلص مِنْ إعطاء الحجَّام أجر حجامته خشية أن يواقع نهي النَّبيِّ صلعم عن ثمن الدَّم على ما تأوَّله في الحديث، وقد جاء هذا بيِّنًا في باب: ثمن الكلب بعد هذا [خ¦2237]، قال عَوْنُ ابن أبي جُحَيْفَةَ: رأيت أبي اشترى حجَّامًا، فأمر بمحاجمه فكُسرت، فسألته عن ذلك، فقال: ((إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ)) وإنَّما فعل ذلك على سبيل التَّورُّع والتَّنزُّه، وسيأتي القول في كسب الحجَّام بعد هذا إن شاء الله تعالى [خ¦2278] [خ¦2280].


[1] زاد في (ز): ((قوله)).
[2] في (ز): ((وقال)).
[3] في المطبوع: ((ونهى عن الواشمة والموشومة))، وفي (ز): ((ونهى عن الواشمة والمستوشمة)).
[4] في (ز): ((مؤكل الرِّبا وآكله)).
[5] في (ز): ((وآكله الَّذي يأخذه)).
[6] قوله: ((ورسوله)) ليس في (ز).
[7] قوله: ((وليس في جميع المعاصي ما عقوبتها محاربة الله ورسوله)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((لها)) ليس في (ز).
[9] قوله: ((درهم)) ليس في (ز).
[10] زاد في (ز): ((وبئس ما اشتريت)).
[11] في (ز): ((فقد حارب عن الله تعالى، ومَنْ فعل ذلك ثمَّ استباح الرِّبا، فقد استحقَّ محاربة الله، ومَنِ استحقَّ ذلك فقد)).
[12] في (ز): ((قاله المُهَلَّبُ قال وهذه)).
[13] في المطبوع: ((وإنَّما اشترى أبو)).