مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن}

          ░123▒ باب قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:31]
          فيه حديث سهل بن سعد. وسلف في الطهارة قبل الغسل، وهذه الآية نزلت بعد الحجاب، وهو نزل بعد أحد بسنتين، وكان سهل إذ ذاك صغيراً. والزينة: الوجه والكفان. وقيل: واليدان إلى المرفقين. وأورد هنا قصة فاطمة لغسلها الدم عن وجه أبيها، وإبدائها له وجهها.
          قوله: (فأخذ حصيراً فأحرق) كذا في الأصول. وفي نسخة: فحرق.
          بضم الحاء وتشديد الراء، على وجه التكثير أو تعدية، قال الله تعالى: {لَّنُحَرِّقَنَّهُ} [طه:97] وقرئ بضم الراء: من الغيظ، يقال: هو محرق عليك الأرم غيظاً: إذا حك أسنانه بعضها ببعض.
          قال المهلب: إنما أبيح للنساء / أن يبدين زينتهن؛ لما ذكر في هذه الآية من أجل الحرمة التي لهن من القرابة والمحرم، إلا في العبد فإن الحرمة إنما هي إلا من جهة السادة وأن العبد لا تتطاول عينه إلى سيدته، فهي حرمة ثابتة في نفسه، أبيح للمرأة من إظهار الزينة ما أبيح إلى أبيها وابنها وذوي الحرمة منها، مع أنه لا يظن بحرة الانحطاط إلى عبد، هذا المعلوم من نساء العرب والعادة.
          وسئل عكرمة والشعبي عن هذه الآية {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} إلى قوله: {إِيمَانِهِنَّ} [الأحزاب:55] قلت: ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قال: لأنهما تبع لآبائهما، وكرها أن تضع خمارها عند عمها وخالها. ومن رأى العم والخال داخلين في جملة الآباء أجاز ذلك. وذكر إسماعيل عن الحسن والحسين أنهما كانا لا يريان أمهات المؤمنين.
          وقال ابن عباس: إن رؤيتهما لهن تحل. وقال إسماعيل: أحسب أن الحسن والحسين ذهبا في ذلك إلى أن أبناء البعولة لم يذكرا في الآية التي في أمهات المؤمنين، وهي قوله: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} [الأحزاب:55]، وقال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}الآية [النور:31]، فذهب ابن عباس إلى هذه الآية، وذهب الحسن والحسين إلى الآية الأخرى.
          واختلف في قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] فقال سعيد بن المسيب: لا تغرنكم هذه الآية، إنما عني بها الإماء ولم يعن بها العبيد. وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته، وهو قول عطاء ومجاهد.
          وقال ابن عباس: لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته. قال إسماعيل: وهذا على القولين، وكانت عائشة وسائر أمهات المؤمنين يدخل عليهن مماليكهن.
          قال إسماعيل: وإنما جاز للمملوك أن ينظر إلى شعر مولاته ما دام مملوكاً؛ لأنه لا يجوز له أن يتزوجها ولا يدخل العبد في المحرم، وهو كذوي المحارم، كما لا يجوز لذوي المحارم منها أن يتزوجوهن، الذي تسافر معه؛ لأن حرمته منها لا تدوم، إذ قد يمكن أن تعتقه في سفرها فيحل له تزويجها.
          فإن قلت: فحديث أم عطية: كنا نداوي الكلمى، والحديث الآخر أن النساء كن ينقلن القرب الحديث، يخالف الآية وحديث سهل؟ قلت: لا؛ لأنه إن صح أن ما ظهر من سوقهن غير الخدم، مما لا يجوز كشفه، فالأحاديث منسوخة بسورة النور والأحزاب؛ لأنهما في آخر ما نزل بالمدينة من القرآن، وإجماع الأمة أنه غير جائز للمرأة أن تظهر شيئاً من عورتها لذي رحمها، فكيف بالأجانب وكذلك لا يجوز لها أن تظهر عورتها للنساء أيضاً.
          ونقل ابن التين عن مالك أنه لا بأس أن يرى المكاتب شعر سيدته إن كان وغد[ا]، وكذلك لا يخلو معها في بيت، واختلف في عبد زوجها وعبد الأجنبي.