مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة

          ░114▒ باب نظر المرأة إلى الحبش
          فيه حديث عائشة قالت: رأيت النبي صلعم يسترني... الحديث.
          وسلف قريباً وفي الصلاة، وهو حجة لمن أجاز النظر إلى اللعب في الوليمة وغيرها.
          وفيه: جواز النظر للنساء إلى اللهو لا سيما الحديثة السن، فإنه ◙ عذرها لحداثة سنها.
          وفيه: أنه لا بأس بنظر المرأة إلى الرجل من غير ريبة. ألا ترى ما اتفق عليه العلماء من الشهادة عليها أن ذلك لا يكون إلا بالنظر إلى وجهها، ومعلوم أنها تنظر إليه حينئذ كما ينظر إليها. وإنما أراد به الرد بحديث ابن شهاب، عن نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة أنها قالت: كنت أنا وميمونة جالستين عند رسول الله صلعم فاستأذن عليه ابن أم مكتوم فقال: ((احتجبا منه)) فقلنا: يا رسول الله: أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال: ((أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه)) حديث صحيح، أخرجه (د) (ت) (ن).
          وكذا صححه (ت) وابن حبان، وفي سنده: نبهان المخزومي مكاتب أم سلمة. قال البيهقي في الكتابة من ((سننه)): صاحبا الصحيح / لم يخرجا عنه، وكأنه لم تثبت عدالته عندهما، أو لم يخرج من الجهالة برواية عدل عنه. قلت: قد روى عنه اثنان: الزهري، ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، وذكره ابن حبان في ((ثقاته)).
          وأعله أيضاً ابن بطال حيث قال: حديث عائشة أصح منه؛ لأنه عن نبهان، وليس بمعروف بثقل العلم، ولا يروي إلا حديثين: أحدهما هذا، والثاني في المكاتب إذا كان معه ما يؤدي احتجبت منه سيدته، قال: فلا يستعمل حديث نبهان لمعارضته الأحاديث الثابتة له وإجماع العلماء قلت: فلا معارضة، بل يحمل حديثها على أنها كانت صغيرة، فلا حرج عليها في النظر إذاً، أو أن رخص في الأعياد ما لم يرخص في غيرها. ويبعد أن يكون حديث عائشة منسوخاً به وإن كان بعد الحجاب، كما أخرجه (د).
          وحديث عائشة في أوائل الهجرة، أو أن الحبش كانوا صبياناً، أو من خصائصها تعظيم حرمتها. وقد قال لفاطمة بنت قيس: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى. تضعين ثيابك، فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك)).
          وهذا مستفاد من كلام [الشافعي] حيث ذكر احتجاب أم سلمة من مكاتبها إذا كان عندي ما يؤدي، كما ستعلمه.
          قوله: (حتى أكون أنا الذي أشأم) كذا هو في الأصول، وأما ابن التين فذكره بلفظ: الذي. ثم قال: وصوابه: التي؛ لأنه نعت للمؤنث.
          قد أسلفنا من كلام الشافعي حيث ذكر احتجاب أم سلمة من مكاتبها، إذا كان عنده ما يؤدي؛ لأن الله أعظم أزواج رسول الله صلعم وفرق بينهن وبين النساء، ولم يجعل على امرأة سواهن أن تحتجب ممن يحرم عليه نكاحها.
          قال: ومع هذا إن احتجاب المرأة ممن له أن يراها واسع لها، وقد أمر ◙ سودة ممن قضى به أنه أخوها؛ وذلك أن يكون للاحتياط، وأن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح.