مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير

          ░33▒ باب عرض الإنسان ابنته على أهل الخير
          فيه حديث ابن عمر في عرض عمر حفصة لما تأيمت من خنيس بن حذافة وقد سلف في المغازي، ويأتي.
          وحديث أم حبيبة: إنا قد تحدثنا أنك تنكح درة الحديث، وسلف.
          وحديث ابن عمر ذكره الحميدي وأبو مسعود في مسند أبي بكر، لما انفرد به معمر عن الزهري، من قول أبي بكر لعمر: إني علمت أن رسول الله صلعم قد ذكرها، وذكره خلف وابن عساكر في مسند عمر لقوله: خطبها رسول الله فأنكحتها إياه.
          وذكر الدارقطني أن حفصة تأيمها من ابن حذافة أنه طلقها وذكر أبو عمر وغيره أنه توفي عنها من جراحة أصابته بأحد، وعلى هذين القولين يحمل قول من قال: تزوج حفصة بعد ثلاثين شهراً من الهجرة.
          ورواية من روى بعد سنتين في عقب بدر، ورواية من روى توفي زوجها بعد خمسة وعشرين شهراً.
          وخنيس بضم الخاء المعجمة ثم نون مفتوحة ثم مثناة تحت ثم سين مهملة، قال ابن طاهر: قال يونس، عن الزهري: بفتح الخاء وكسر النون. وكان معمر بن راشد يقوله: بفتح الحاء المهملة ثم موحدة مكسورة ثم مثناة تحت ثم شين معجمة قال الجياني: وروي أن معمراً كان يصحف في هذا الاسم فيقول: حُبَيْش بن حذافة، فرد عليه: خنيس فقال: لا بل هو حُبيش.
          قال الدارقطني: وقد اختلف على عبد الرزاق عن معمر، فروي عنه خنيس بالسين المهملة على الصواب، وروي عنه: حبيش أو خنيس على الشك، وذكره (خ) وجماعات بالمهملة، والخاء المعجمة على الصواب.
          والحديث ظاهر لما ترجم له من عرض الرجل وليته ابنته وغيرها على الرجل الصالح ولا نقص عليه في ذلك.
          وفيه: أن من عرض عليه ما فيه الرغبة فله النظر والاختيار، وعليه أن يخبر بعد ذلك بما عنده؛ لئلا يمنعها من غيره؛ لقول عثمان بعد ليال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا.
          وفيه: الاعتذار اقتداء بعثمان في مقالته هذه، ولم يقل أبو بكر: لا أريد التزويج، وقد كان يريده حين قال: لو تركها لنكحتها، ولم يقل: نعم، ولا لا.
          وفيه: الرخصة أن يجد الرجل على صديقه في الشيء، يسأله، فلا يجيب إليه، ولا يعتذر بما يعتذر له؛ لأن النفوس جبلت على ذلك، لا سيما إذا عرض عليه ما فيه يغبط له.
          قوله: (وكنت أوجد عليه يعني على الصديق من عثمان) سببه أن الصديق لم يرد عليه الجواب، بل تركه على الرقيب؛ ولأنه أخص بعمر منه بعثمان؛ لأنه ◙ آخى بينهما، فكانت موجدته عليه لفرط الثقة به، وإخلاصه له.
          وفي بعض الروايات أن عمر شكى عثمان إلى رسول الله فقال: ((ينكح حفصة خير من عثمان، وينكح عثمان خيراً من حفصة)) فكان كذلك.
          وفيه: كتمان السر، فإن أظهره الله أو أظهره صاحبه [جاز] للذي أسر إليه / إظهاره، ألا ترى أنه ◙ لما أظهر تزويجها أعلم أبو بكر بما كان سر إليه منه، وكذلك فعلته فاطمة في مرض رسول الله حين أسر إليها أنها أول أهله لحاقاً به فكتمته حتى توفي، وأسر ◙ إلى حفصة تحريم مارية، فأخبرت حفصة عائشة بذلك، ولم يكن الشارع أظهره، فذم الله فعل حفصة، وقبول عائشة لذلك فقال: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ}الآية [التحريم:4]، وقول أبو بكر لعمر بعد تزويج رسول الله لها، لعلك وجدت علي، دليل على أن الرجل إذا أتى إلى أخيه ما لا يصلح أن يؤتى إليه من سوء المعاشرة، أن يعتذر ويعترف، وأن الرجل إذا وجب عليه الاعتذار من شيء وطمع بشيء يقوي به حجته أن يؤخر ذلك حتى يظفر ببغيته ليكون أبرأ له عند من يعتذر إليه، وفي قول عمر له دليل على أن الإنسان يجتر بالحق على نفسه وإن كان عليه فيه شيء.
          والمعنى الذي أسر أبو بكر عن عمر ما أخبره به الشارع هو أنه خشي أبو بكر أن يذكر ذلك لعمر ثم يبدو لرسول الله عن نكاحها، فيقع في قلب عمر من رسول الله ما وقع في قلبه من الصديق. وفي قول أبي بكر لعمر: كنت علمته أنه ◙ ذكرها.
          فيه دلالة أنه جائز للرجل أن يذكر لأصحابه، ولمن يثق به أنه يخطب امرأة قبل أن يظهر خطبتها، وقول الصديق: لم أكن لأفشي سره، يدل أن من ذكر امرأة قبل أن يظهر خطبتها، فإن ذكره في معنى السر، وإن إفشاء السر وغيره في النكاح أو غيره من المباح لا يجوز.
          وكان إسراره ◙ تزويج حفصة للصديق على سبيل المشورة، أو لأنه علم قوة إيمان الصديق وأنه لا يتغير لذلك لكون ابنته عنده، وكتمانه ذلك خشية أن يبدو لرسول الله في نكاحها أمر كما أسلفناه.
          وفيه: أن الصديق لا يخطب امرأة علم أن صديقه يذكرها لنفسه، وإن كان لم يركن إليه لما يخاف من القطيعة بينهما، ولم تخف القطيعة بين غير الإخوان؛ لأن الاتصال بينهما ضعيف غير اتصال الصداقة في الله.
          وفي قول الصديق: لو تركها تزوجتها. دليل أن الخطبة إنما تجوز بعد أن يتركها الخاطب.
          وفيه: الرخصة في تزويج من عرض رسول الله فيها بخطبة، أو أراد أن يتزوجها. ألا ترى قول الصديق: لو تركها تزوجتها.
          وقد جاء في خبر آخر الرخصة في نكاح من عقد النبي صلعم عليها النكاح ولم يدخل بها، وأن الصديق كرهه ورخص فيه عمر.
          وروى داود بن أبي هند عن عكرمة قال: تزوج رسول الله صلعم امرأة من كندة يقال لها قيلة، فمات ولم يدخل بها ولا حجبها، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل، فغضب أبو بكر وقال: تزوجت امرأة من نساء رسول الله فقال عمر: ما هي من نسائه، ما دخل بها، ولا حجبها ولقد ارتدت مع من ارتد. فسكت.
          وفيه: أن الأب تخطب إليه بنته الثيب كالبكر، ولا تخطب إلى نفسها، وأنه يزوجها.
          وفيه فساد قول من قال: إن للمرأة البالغة المالكة أمرها تزويج نفسها، وعقد النكاح عليها دون وليها، وسيأتي في باب: لا نكاح إلا بولي.
          وفي تركه أن يأمره باستئمارها ولم يجد عن عمر أنه استأمرها دليل أن للرجل أن يزوج ابنته الثيب من غير أن يستأمرها، إذا علم أنها لا تكره ذلك، وكان الخاطب لها كفؤاً؛ لأن حفصة لم تكن لترغب عن سيد الأكفاء، فأغنى علم عمر بها عن استئمارها.
          ومعنى قوله: (تأيمت حفصة) صارت غير ذات زوج، بموت زوجها عنها / ، والعرب تدعو كل امرأة لا زوج لها، وكل رجل لا امرأة له أيماً.
          قال والدي ⌂:
          (باب الشغار) بكسر المعجمة الأولى وأصله في اللغة الرفع يقال شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول كأنه قال لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك وقيل: هو من شغر البلد إذا خلا بخلوه عن الصداق.
          الخطابي: وتفسير الشغار يروى مقروناً بالحديث ويقال إنه من كلام نافع وقد جوز هذا النكاح بعض الفقهاء قالوا: ليس فيه شيء أكثر من إبطال المهر والنكاح لا يبطل بفساد المهر فالعقد صحيح ولكل واحدة منهما مهر المثل، أقول: لعل الخلاف فيه راجع إلى أن النهي عائد إلى أمر خارج عن العقد مفارق له كالبيع في وقت النداء أم لا.
          النووي: أجمعوا على أنه منهي عنه لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أم لا، فقال أبو حنيفة: يصح بمهر المثل.
          قوله: (ابن فضيل) مصغر الفضل بسكون المعجمة محمد، و(خولة) بفتح المعجمة وإسكان الواو وباللام بنت حكيم بفتح المهملة وكسر الكاف.
          قوله: (هواك) أي محبوبك يعني: ما أرى الله تعالى مُوجداً لمرادك بلا تأخير مُنزلاً لما تحبه وترضى، و(أبو سعيد) المؤدب بالمهملة المكسورة الشديدة والموحدة محمد بن مسلم الجزري بالجيم والزاي والراء، و(محمد بن بشر) بكسر الموحدة وإسكان المعجمة العبدي الكوفي، و(عبدة) ضد الحرة ابن سليمان.
          قوله: (المحرم) بضم الميم، و(ابن عيينة) هو سفيان، و(عمرو) هو ابن دينار. قال النووي: قال أبو حنيفة يصح نكاح المحرم لقصة ميمونة وهو رواية ابن عباس، فأجيب عنه بأن ميمونة نفسها روت أنه تزوجها حلالاً وهي أعرف بالقضية من ابن عباس لتعلقها بها، وبأن المراد بالمحرم أنه في الحرم ويقال لمن هو في الحرم محرم وإن كان حلالاً قال الشاعر:
          قتلوا ابن عفان الخليفة محرما
          أي: في حرم المدينة وبأن فعله معارض بقوله: لا ينكح المحرم وإذا تعارضا يرجح القول، وبأن ذلك من خصائصه صلعم.
          قوله: (نكاح المتعة) وهو النكاح المؤقت بيوم ونحوه وفراقها يحصل باقتضاء الأجل من غير طلاق وإنما قال أخيراً لما قال العلماء أنه أبيح أولاً ثم نسخ ثم أبيح ثانياً ثم نسخ وانعقد الإجماع على تحريمه. قال النووي: التحريم والإباحة كانا مرتين وكان حلالاً قبل خيبر ثم حرم يوم خيبر ثم أبيح يوم أوطاس ثم حرم بعد ثلاثة أيام تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة أقول: فتطرق النسخ إليه ثلاث مرات(1).
          قوله: (الحسن بن محمد) بن علي ابن أبي طالب ومحمد هو ابن الحنفية، و(أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بسكون المهملة الضبعي، و(رخص) أي: ذكر الرخصة التي كانت في أول الإسلام وقيل: كان مذهب ابن عباس جواز ذلك.
          قال القاضي: كل ما روي في جوازه كان في أسفارهم وعند ضرورتهم وقلة النساء وكثرة احتياجهم؛ لأن بلادهم كانت حارة ونحوه وقيل: إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة ونحوها.
          قوله: (سلمة) بفتح المهملة واللام / (ابن الأكوع) بفتح الهمزة والواو وسكون الكاف وبالمهملة، و(جبيش) بالجيم وفي بعضها حنين بالمهملة وبالنونين، و(استمتعوا) بلفظ الأمر والماضي أي: جامعوهن بالنكاح المؤقت.
          قوله: (ابن أبي ذئب) بلفظ الحيوان المشهور محمد بن عبد الرحمن، و(إياس) بكسر الهمزة وبالتحتانية وبالمهملة، و(توافقا) أي: في النكاح بينهما مطلقاً من غير ذكر أجل فالمعاشرة بينهما ثلاث ليال بأيامهن يعني: المطلق محمول على ثلاثة أيام فإن أحبا بعد انقضائها أن يتزايدا عليها تزايدا وإن أحبا أن يتتاركا ويتفارقا تتاركا.
          فإن قلت: ما وجه هذا التركيب؟ قلت: بعض الجزاء محذوف، وفي مخرج أبي نعيم الأصفهاني فإن أحبا أن يتناقصا تناقصا وإن أحبا أن يتزايدا في الأجل تزايدا.
          قوله: (ما أدري) أي: لا أعلم أن جوازه كان خاصًّا بالصحابة أو كان عامًّا لللأمة، و(قد بينه) أي: حيث قال آنفا أن النبي صلعم نهى عن المتعة.
          قوله: (مرحوم) بالراء والمهملة ابن عبد العزيز العطار البصري، و(ثابت) ضد: الزائل (البناني) بضم الموحدة وخفة النون الأولى، و(السوأة) الفعلة الفاحشة والفضيحة، و(أبو غسان) بالمعجمة وشدة المهملة، محمد بن مطرف بكسر الراء الشديدة الليثي المدني، و(أبو حازم) بالمهملة والزاي سلمة بن دينار، و(مجلسه) بفتح اللام أي: جلوسه مر الحديث في باب خيركم من تعلم القرآن.
          قوله: (صالح بن كيسان) بفتح الكاف، و(خنيس) بضم المعجمة وفتح النون وإسكان التحتانية وبالمهملة (ابن حذافة) بضم المهملة وتخفيف المعجمة وبالفاء السهمي، و(أوجد) أي: أحزن و(نفسه) هو المفضل والمفضل عليه لكن الأول باعتبار أبي بكر والثاني باعتبار عثمان ♥.
          قوله: (يزيد) بالزاي ابن أبي حبيب ضد العدو، و(عراك) بكسر المهملة وخفة الراء وبالكاف، و(درة) بضم المهملة وشدة الراء، بنت أبي سلمة بالمفتوحتين.
          قوله: (أعلى أم سلمة) أي: أأتزوج على أمها يعني: كيف أتزوجها وهي ربيبتي ولو لم تكن ربيبتي لما حلت لي أيضاً لأنها بنت أخي يعني: أبا سلمة؛ لأن ثويبة أرضعت أبا سلمة ورسول الله صلعم جميعاً ومر الحديث قريباً.
          الزركشي:
          (الشغار) هذا تفسير من قول نافع.
          (قال: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن) هذا عمدة من فسر المبهم في حديث سعد بهذه، ولا دليل فيه على التعيين.
          (عن أبي جمرة) بجيم مفتوحة.
          (حين تأيمت حفصة) أي: بقيت بلا زوج.
          (ابن خنيس) بخاء معجمة بعدها نون ثم مثناة وسين مهملة وأشكل على معمر بن راشد فقرأه بالحاء المهملة والشين المعجمة، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (واسوءتاه) السوءة في الأصل الفرج ثم نقل إلى كل ما يستحيى منه إذا ظهر من قول أو فعل.
          قوله: (تأيمت حفصة) الأيم في الأصل التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً مطلقة كانت أو متوفى عنها ويريد بالأيم في هذا الحديث البنت خاصة يقال بانت المرأة وأمت إذا حامت بلا زوج.
          قوله: (حتى طال مجلسه) بالكسر هو موضع الجلوس وبفتح اللام المصدر، والمراد هنا المصدر وأما المجلس هو المكان فلا يمكن أن يطول أو يقصر فالمراد أن جلوسه طاله زماناً.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وقيل القبلة تطرق إليه النسخ ثلاث مرات كان لبيت المقدس ثم إلى الكعبة ثم إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة واستمر، أقول: والصوم)).