مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إلى من ينكح؟وأي النساء خير

          ░12▒ باب إلى من ينكح وأي النساء خير؟
          فيه حديث أبي هريرة عن النبي صلعم قال: ((خير نساء ركبن الإبل)) الحديث وسلف في أحاديث الأنبياء، ويأتي في النفقات.
          وأخرجه (م) (ن) أيضاً. فيه: الحث على نكاح أهل الصلاح والدين، وشرف الآباء؛ لأن ذلك يمنع من ركوب الإثم وتقحم العار، ولهذا المعنى قال ◙: ((عليك بذات الدين)) وإنما يركب الإبل نساء العرب ونساء قريش من العرب فنساء قريش خير نساء العرب، وقد بين ◙ بما استوجبن ذلك، وهو حنوهن على أولادهن... إلى آخره، وإنما ذلك لكرم نفوسهن، وقلة غائلتهن إن عاشرهن وطهارتهن من مكايدة الأزواج.
          وفيه: مدح الرجل نساء قومه، ومعنى (أحناه): أشفق وأرأف لأنه يحتاج في تربيته إلى الإشفاق والرفق، يقال: حنا عليه يحنو، وأحنى يحني، وحنى يحني.
          (وأرعاه على زوج في ذات يده) يحتمل في ماله الذي استرعاها عليه.
          قوله: (ما يستحب أن يتخير لنطفه) هو لفظ حديث أخرجه (ق) من حديث عائشة أن النبي ◙ قال: ((تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء)) وأخرجه الحاكم في ((مستدركه)) وقال: صحيح الإسناد.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (سهل) هو ابن سعد الساعدي. فإن قلت: لم ما ذكر الحديث الذي رواه في تزويج المعسر الذي معه القرآن في قصة المرأة التي جاءت لتهب نفسها للنبي صلعم والحال أنه بشرطه بدليل أنه ذكره متقدماً بورقة وسيذكره متأخراً بصفحة، قلت: لم يذكره إما اكتفاء بما ذكره، وإما لأن شيخه لم يروه له في سياق هذه الترجمة.
          قوله: (محمد بن المثنى) ضد: المفرد، فإن قلت: ما وجه دلالته على الترجمة؟ قلت: حيث نهاهم عن الاستخصاء وهم محتاجون إلى النساء، والحال أنهم معسرون بدليل الحديث الذي بعده إذ قال فيه وليس لنا شيء وكل مسلم لا بد له من حفظ شيء من القرآن فتعين التزوج بما معهم من القرآن، وحاصله أنه مختصر من الطويل.
          قوله: (محمد بن كثير) ضد القليل، و(سعد بن الربيع) بفتح الراء ضد الخريف، و(الوضر) بفتح الواو والمعجمة وبالراء، اللطخ من الخلوق ومن كل طيب أو لون، و(مهيم) بفتح الميم والتحتانية وإسكان الهاء؛ أي: ما حالك وما شأنك (وسقت إليها) أي: أعطيتها (والنواة) بخمسة دراهم أي: مقدار خمسة دراهم وزناً من الذهب ومر الحديث أول البيع.
          قوله: (عثمان بن مظعون) بسكون المعجمة وضم المهملة، و(رد) أي: نهي التبتل، وهو الانقطاع من النساء والاستمتاع بهن انقطاعاً إلى عبادة الله تعالى، ولو أذن له في الانقطاع عنهن وعن الملاذ لاختصينا وكان مناسباً أن يقال: لو أذن له لتبتلنا فعدل إلى اختصينا إرادة للمبالغة أي: لو أذن له لبالغنا في التبتل حتى الاختصاء، وكان التبتل من شريعة النصارى فنهى النبي صلعم أمته عنه ليكثر النسل ويدوم الجهاد ويقال: خصيت الفحل إذا سللت خصيتيه واختصيت إذا فعلت ذلك بنفسك.
          قوله: (جرير) بفتح الجيم وكسر الراء، و(بالثوب) أي: به وبنحوه مما يتراضى به، و(أصبغ) بفتح الهمزة والموحدة وإسكان المهملة (ابن فرج) بالجيم القرشي، و(العنت) / الإثم والفجور والوقوع في أمر شاق، واختص الأمر للتهديد كقوله: اعملوا ما شئتم وكلمة (على) هي متعلقة أي: اختص حال استعلائك على العلم بأن الكل بتقدير الله وهذا ليس إذناً له في قطع العضو، بل هو توبيخ ولوم على استئذانه في القطع من غير فائدة أي جميع الأمور مقدرة في الأزل فإن شئت فاختص وإن شئت فاترك الاختصاء، وفي بعضها: ((فاختصر)) من الاختصار أي حذف المطولات من الكلام.
          فقال القاضي البيضاوي: معناه أن الاقتصار على التقدير والتسليم له وتركه والإعراض عنه سواء، فإن ما قدر لك من خير أو شر فهو لا محالة لاقيك وما لم يكتب فلا طريق لك إلى حصوله لك، وقال الطيبي: أي اقتصر على ما ذكرت لك وارض بقضاء الله أو ذر ما ذكرته وامض لشأنك واختص فيكون تهديداً، وقال بعضهم: معناه قد سبق في قضاء الله تعالى جميع ما يصدر عنك ويلاقيك فاقتصر على ذلك فإن الأمور مقدرة أو دَعه ولا تخض فيه.
          قوله: (ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة مصغر الملكة القاضي على عهد ابن زبير، و(إسماعيل) بن عبد الله المشهور بابن أبي أويس الأصبحي وأخوه عبد الحميد، و(سليمان) هو: ابن بلال، و(يرتع) من باب الأفعال، وفيه تشبيه البكر بالشجرة التي لم يؤكل منها والثيب التي أكل منها.
          قوله: (عبيد) مصغر العبد، و(السرقة) بفتح المهملة وبالراء وبالقاف، القطعة من الحرير وأصلها بالفارسية سَرَه أي جيد فعربوه كما عربوا إستبرق، و(يمضه) من الإمضاء وهو الإنفاذ ومر في باب وفود الأنصار.
          قوله: (أم حبيبة) ضد العدوة اسمها: رملة بنت أبي سفيان الأموي أم المؤمنين، وقال شارح ((التراجم)): لما كان المخاطب بقوله: لا تعرضن أم حبيبة وسائر أزواجه ومن لهن بنات فهن ثيبات قطعاً، فاستنبط (خ) من لفظ بناتكن أنه صلعم تزوج الثيبات.
          و(هشيم) مصغراً الواسطي، و(سيار) بفتح المهملة وشدة التحتانية وبالراء، ابن أبي سيار، و(قطوف) أي: بطيء، و(راكب) أي: رسول الله صلعم، و(العنزة) أقصر من الرمح وأطول من العصا.
          فإن قلت: تقدم في كتاب البيع في باب شرى الدواب أنه ضربه بمحجنه أي: الصولجان؟ قلت: إذا كان أحد طرفيه معوجاً والآخر فيه حديد صَدَق اللفظان عليه.
          و(رائي) بلفظ الفاعل من الرؤية، و(يعجلك) من الإعجال، و(بكراً) منصوب بمقدر أي: تزوجت وكذا (جارية).
          قوله: (ليلا) إنما فسره بالعشاء لئلا ينافي ما تقدم في كتاب العمرة في باب لا يطرق أهله أنه صلعم نهى أن يطرق أهله ليلاً، و(الشعثة) أي: منتشرة الشعر مغبرة الرأس، و(تستحد) أي: تستعمل الحديد في إزالة الشعر، و(المغيبة) من أغابت المرأة إذا غاب عنها زوجها فهي مغيبة.
          قوله: (محارب) بكسر الراء ضد المصالح ابن دثار ضد الشعار السدوسي بفتح المهملة الأولى وضم الثانية، و(العذارى) جمع العذراء وهي البكر، و(اللعاب) مصدر بمعنى الملاعبة.
          قوله: (يزيد) من الزيادة ابن أبي حبيب بفتح المهملة وكسر الموحدة، و(عراك) بكسر المهملة وبالراء ابن مالك الغفاري، و(عروة) ابن الزبير تابعي فالحديث مرسل، و(كتابه) أي: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فإن قلت: ليس فيه بيان الترجمة؟ قلت: صغر عائشة وكبر رسول الله صلعم معلومان لا حاجة إلى بيانه.
          قوله: (تنكح) بفتح التاء، و(النطف) جمع النطفة / وهو إشارة إلى ما روي عن النبي صلعم: ((تخيروا لنطفكم)) وأراد (خ) أن الأمر للندب لا للإيجاب.
          قوله: (ركبن الإبل) كناية عن العرب، و(أحناه) أي: أشفقه، والحانية هي التي تقوم على ولدها بعد يُتمه فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية، و(ذات يده) أي: ماله المضاف إليه؛ أي: خير نساء العرب القرشيات الصالحات الحانيات الراعيات.
          وفيه فضيلة الحنو على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم والقيام عليهم ومراعاة حق الزوج في ماله والأمانة فيه وتدبيره في النفقة وغيرها.
          فإن قلت: القياس أن يقال صالحة بتاء التأنيث وأن يقال أحناهن بالجمع؟ قلت: تذكيره إما باعتبار لفظ الخبر أو باعتبار الشخص أو هو من باب ذي كذا، وأما الإفراد فهو بالنظر إلى لفظ الصالح وإما بقصد الجنس.
          فإن قلت: كيف كُن خيراً من غيرهن مطلقاً؟ قلت: خروج مثل عائشة عنه هو بدليل آخر فلا يلزم تفضيلهن عليها، أو المراد القرشيات كلهن شأنهن الحنو والرعاية، أو الخيرية من جهة لا يلزم الخيرية على الإطلاق.
          وقال النووي: مَعنى أحناه: أحناهن، ومعنى خيراً أي: من خير كما يقال: أحسنهم كذا أي من أحسنهم أو أحسن من هنالك.
          الزركشي:
          (تزويج المعسر الذي معه القرآن) وجه مطابقة الترجمة بحديث ابن مسعود أنه نهاهم عن الاختصاء ووكلهم إلى النكاح، ولو كان المعسر لا ينكح وهو ممنوع من الاختصاء لأدى إلى تكليف ما لا يطاق.
          (وضر) بفتح الواو والضاد المعجمة؛ أي: لطخ من خلوق.
          (مهيم) بفتح أوله وثالثه وآخره ميم، ولابن السكن نون بدلها: كلمة يمانية معناها: ما هذا؟ وقيل: ما شأنك؟
          (التبتل) تكلف بتل نفسه عن التزوج؛ أي: قطعها، والخصي المذكور في هذه الأحاديث ليس المراد إخراج خصيتي الرجل؛ لأن ذلك محرم، لأنه غرر بالنفس وقطع للنسل، وإنما المقصود أن يفعل الرجل بنفسه ما يزيل عنها شهوة النساء من المعالجة حتى يصير كالمختصي.
          (فاختص على ذلك أو ذر) قيل: هو بكسر الصاد المخففة آخره راء، هذا هو الأشبه بترجمة الباب، لكن زيادة راء آخره أشبه لما روي في الحديث في غير هذا المكان: ((فاقتصر)) والاقتصار نحو الاختصار.
          قلت: كذا ساقه (خ) فقال: وقال أصبغ: ثنا ابن وهب فذكره ولم يصل سنده، وقد رواه ابن وهب في كتاب ((القدر)) بالنسبة بهذا الإسناد، وقال فيه: فائذن لي أن أختصي قال: فسكت عني حتى قلت ثلاث مرات، فقال: ((جف القلم بما أنت لاق)) فسقطت هذه اللفظة في رواية (خ) فصار الجواب غير ظاهر لسؤاله، وبان بذلك أن قوله: ((فاختص)) ليس على ظاهره من الأمر به أو بتركه، وإنما المعنى إن فعلت وإن لم تفعل فلا بد من نفوذ القدر.
          (وإذا رجل يحملك) سيأتي في باب النظر إلى المخطوبة: ((يجيء بك الملك في سرقة من حرير)) وهنا أطلق عليه اسم الرجل.
          (في سرقة من حرير) بفتح السين والراء المهملتين؛ أي: قطعة من جيد الحرير، وجمعها: سرق.
          (إن يكن من عند الله يمضه) إن قيل: هذا موضع ((إذا)) لأنها لما تحقق أو رجح، و((إن)) للمشكوك فيه وهو محال هنا، قلنا: لما كانت الرؤيا قد يراد بها غير ظاهرها جاء الترديد من هذه الحيثية وإلا فرؤيا الأنبياء وحي لا يطرقها شك.
          (القطوف) البطيء السير.
          (نخس بعيري) أي: ضربه بطرف العنزة.
          (فهلا جارية) بالنصب بفعل مضمر؛ أي: هلا تزوجت.
          (وتستحد المغيبة) الاستحداد استعمال الحديد، والمغيبة / بضم الميم؛ أي: غاب زوجها. يريد: تنظيف نفسها وتطهيرها.
          (ما لك وللعذارى ولعابها) بكسر اللام ملاعبتها، وبضمها من اللعاب، والعذارى: الأبكار.
          (أحناه على ولد) أي: أعطف وأرأف.
          (وأرعاه على زوج في ذات يده) يحتمل في ماله الذي استرعاها عليه.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          (تستحد) الاستحداد استعمال الحديد، وهو حلق العانة بالحديد وهو استفعل من الحديد استعمله على طريق الكناية والتورية.
          فإن قلت: المرأة لا تستعمل الحديد في إزالة الشعر عن عانتها بل تنتفه أو تزيله بمزيل كالنورة؟ قلت: أراد بالاستحداد ما يحصل منه وهو إزالة الشعر بمزيل كنى بالاستحداد عنه، فإن إزالة الشعر من الرأس والإباط والعانة للرجال غالباً تكون بالحديد فعبر بالاستحداد عن إزالة المرأة لشعر عانتها.
          قوله: (فاختص) الاختصاء هو سل الأنثيين أقول: قد تعارف الناس أن يدخل على النساء كل خصي وهذا فيه تفصيل، وهو أن الخصيان وهم الطواشية على ثلاثة أقسام: قسم يقطع ذكره ويترك أنثياه وهذا يسمى بالمجبوب وهذا لا يجوز له الدخول على النساء؛ لأن الذي يقوى به الإنسان على الجماع وهما الأنثيان موجودان فيه؛ لأنه في حالة جب ذكره لا يقطع وهو ناعظ فإذا قطع لا بد أن يتبقى منه بقية تظهر عند تحرك شهوته ولو بمقدار حشفة، ويتمكن هذا من الجماع ويحصل منه الولد.
          والثاني: أن تنزع أنثياه ويترك الذكر ويسمى بالخصي، وهذا لا يجوز أيضاً له الدخول على النساء لأن الذكر له حاصل فيمكن أن يدس ذكره ويحشوه في الفرج وإن كان لا يحصل له تغوط؛ لأن التغوط لا يحصل إلا مع بقاء الأنثيين.
          والثالث: هو أن يقطع ذكره مع أنثييه وهذا يسمى الممسوح، هذا يجوز له الدخول على النساء فإنه لا يتصور منه مجامعة؛ لأن آلة الجماع وما تفوته وإلا فليعلم ذلك.
          والتبتل الانقطاع عن النساء وترك النكاح وامرأة بتول أي: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم وبها سميت مريم أم المسيح ◙.
          وسميت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً.
          قوله: (إن يكن من عند الله يمضه) قيل: إن كانت هذه الرؤيا قبل النبوة وقيل: تخليص أحلامه من الأضغاث فمعناها إن كانت الرؤيا على وجهها وظاهرها فلا تحتاج إلى تعبير فيمضيه الله وينجزه فالشك إن كان عائد إلى الرؤيا أنها على ظاهرها لم يحتج إلى تعبير وصرف عن ظاهرها، وقيل: إن كانت هذه الروحية في الدنيا يمضها الله تعالى وقد سبق ذكره.
          وقول عبد الرحمن: (تزوجت أنصارية) هي بنت أبي الحبيش أنس بن رافع ويقال بشر بن رافع.