مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}

          ░49▒ باب قول الله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] إلى آخره.
          وقال سهل: ((ولو خاتما من حديد)) ثم ساق إسناده حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على وزن نواة، الحديث.
          وعن قتادة، عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة وقد سلف في البيوع.
          وهذه الآثار دالة على إيجاب المهر، ولا حد لأكثره عند العلماء، لقوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} [النساء:20].
          قال عمر فيما ذكره عبد الرزاق: لا تغالوا في صدقات النساء. فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله تعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} [النساء:20]، فقال: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته.
          وروى ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: أصدق النبي صلعم كل امرأة من نسائه اثنتي عشرة أوقية ونشا. والنش نصف الأوقية، فذلك خمسمائة وثمانون درهماً. وقال ابن شهاب: اثني عشر أوقية فذلك أربعمائة درهم وثمانون درهماً.
          قلت: الصواب: اثنتا عشر أوقية ونشا، والجملة خمسمائة؛ لأن الأوقية أربعون درهماً. والنش نصف أوقية.
          قال: وإنما أصدق النجاشي أم حبيبة أربعمائة دينار استعمالاً لأخلاق الملوك في المبالغة في الصنائع لاستعانة الشارع به في ذلك.
          قلت: وقيل مائتي دينار. وفي (د): أربعة آلاف درهم، وفي (ت) قال عمر: ما علمت رسول الله نكح شيئاً من نسائه ولا بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية أربعمائة وثمانون، ثم قال: حسن صحيح.
          وفي ((بلغة المستعجل)) لمحمد بن نصر الحميدي: صدقاته لكل واحدة من نسائه خمسمائة درهم، هذا أصح ما قيل في ذلك حاشى صفية.
          وروي عن عمر أنه أصدق أم كلثوم بنت علي أربعين ألف درهم، وأن ابن عمر أصدق صفية عشرة آلاف درهم، وعن ابن عباس وأنس مثله.
          وروي عن الحسن بن علي أنه تزوج امرأة فأرسل إليها بمائة جارية، مع كل جارية ألف درهم. وتزوج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة فأرسل إليها ألف ألف درهم، فقيل في ذلك:
بضع الفتاة بألف ألف كامل                     وتبيت سادات الجيوش جياعا
          قال الحربي: وأصدق النبي صلعم سودة بيتاً ورثه، وعائشة على متاع بيت قيمته خمسون درهماً. رواه عطية عن أبي سعيد. وزينب بنت خزيمة أصدقها ثنتي عشرة أوقية ونشا، وأم سلمة على متاع قيمته عشرة دراهم.
          وقيل: كان على جرتين ورحا ووسادة حشوها ليف، وعند أبي الشيخ: على جر أخضر ورحا يد. وعند (ت): على / أربعمائة درهم. وفي (م) لما قال للأنصاري وقد تزوج: ((بكم تزوجتها؟)) قال: على أربع أواق. فقال ◙: ((أربع أواق، كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل)).
          وعند أبي الشيخ: على ثماني أواق. والزوج عبد الله بن أبي حدرد وفي لفظ: قال له: ((كم أصدقتها؟)) قال: مائتي درهم وهي ابنة الحارث فقال ◙: ((كأنكم تكتالون من واديكم هذا يعني: بطحان علينا نصف الصداق)). واختلف في مقدار أقل الصداق على الذي لا يجوز النكاح بدونه، على أقوال:
          أحدها: وهو قول مالك: لا أرى أن تنكح المرأة بأقل من ربع دينار، وهي ثلاثة دراهم، وذلك أدنى ما يجب فيه القطع.
          ثانيها: وهو قول الكوفيين: لا يكون أقل من عشرة دراهم؛ قياساً على القطع عندهم.
          ثالثها: وهو قول النخعي: أقله أربعون درهماً، وكره أن يزوج بأقل من ذلك، وعنه أنه قال: في الصداق الرطل من الذهب.
          رابعها: وهو قول سعيد بن جبير: أقله خمسون درهماً.
          خامسها: لابن شبرمة: خمسة دراهم. قال أبو عمر: وفي هذا تقطع اليد عنده.
          سادسها: لا حد في أقل الصداق، ويجوز ما تراضوا عليه، وروي هذا عن سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار وغيرهم، وسائر فقهاء التابعين بالمدينة: ربيعة، وأبي الزناد، ويحيى بن سعيد، وابن أبي ذئب. ومن العراق: ابن أبي ليلى، والحسن البصري، وعمرو بن دينار، وغيرهم وهو قول الثوري والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
          وقال الأوزاعي: كل نكاح وقع بدرهم فما فوقه لا ينقضه قاض.
          وقال الشافعي: كلما كان ثمناً لشيء أو أجرة جاز أن يكون صداقاً.
          واحتجوا بأنه ◙ أجاز النكاح بخاتم حديد، وأجاز ابن وهب النكاح بدرهم وبنصف درهم.
          وقال الدراوردي لمالك: تعرقت فيها يا أبا عبد الله يقول: ذهبت فيها مذهب أهل العراق. واحتج مالك والكوفيون بأنه عضو مستباح ببدل من المال، فلا بد أن يكون مقداراً قياساً على القطع، وفي رواية لأبي الشيخ على أكثر من أربعمائة وثمانين درهماً، وعن عدي سنة رسول الله أو صداق بناته أربعمائة درهم، وله بإسناد جيد أن رسول الله زوج ربيعة بن كعب الأسلمي امرأة من الأنصار على وزن نواة من ذهب وروي عن أنس قيمة النواة خمسة دراهم وفي رواية ثلاث دراهم وثلث درهم وإليه ذهب أحمد.
          والنواة عند أهل اللغة زنة خمسة دراهم، وأظن الذي قال: إن أقل الصداق خمسة دراهم. إنما أخذه من حديث النواة، وهذه غفلة شديدة؛ لأن زنة النواة ثلاثة مثاقيل ونصف من الذهب، فكيف يحتج بهذا من جعل أقل الصداق خمسة دراهم من فضة؟
          حجة الشافعي حديث عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلعم: ((أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟)) قالت: نعم. فأجازه. رواه (ق) (ت) وقال: حسن.
          وحديث عقبة بن عامر أن النبي صلعم قال: ((خير النكاح أيسره)).
          وقال النبي صلعم لرجل: ((أترضى أن أزوجك فلانة؟)) قال: نعم، فزوجها ◙، ولما يفرض صداقاً، فدخل بها فلم يعطها شيئاً، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلعم زوجني فلانة ولم أعطها شيئاً، وقد أعطيتها سهمي من خيبر وكان له سهم بخيبر فأخذته فباعته، فبلغ مائة ألف. رواه (د) وصححه ابن حبان، والسياق له والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.
          قال الشافعي: سألت الدراوردي: هل قال أحد بالمدينة: لا يكون / صداق أقل من ربع دينار؟ فقال: لا والله ما علمت أحداً قاله قبل مالك.
          قال الدراوردي: أخذه عن أبي حنيفة يعني: في اعتبار ما تقطع به اليد. قال الشافعي: وروى بعض أصحاب أبي حنيفة في ذلك عن علي، ولا يثبت مثله، لو لم يخالفه غيره أنه لا يكون مهر أقل من عشرة دراهم.
          قال ابن المنذر: لا وقت في الصداق كثر أو قل، هو ما تراضوا به، ولا نعلم حجة تثبت صداقاً معلوماً لا يجوز غيره، وقال أبو عمر: أجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجاً وهب له دون رقبته وأنه لا يجوز وطء في نكاح بغير صداق مسمى ديناً أو نقداً، وأن المفوض إليه لا يدخل حتى يسمى صداقاً. وأغرب ابن حزم فجوزه بكل ما له نصف قل أو كثر، ولو أنه حبة بر أو حبة شعير وشبهها، وزوج ابن المسيب ابنته التي خطبها الخليفة بدرهمين.