مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم}

          ░20▒ كتابُ الرضاع
          باب: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23]
          فيه أحاديث:
          1- حديث عائشة أنه ◙ / كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل... الحديث وسلف في الشهادات والخمس.
          2- حديث يحيى، عن شعبة، بسنده عن ابن عباس: قيل للنبي ◙: ألا تتزوج بنت حمزة؟ الحديث وهذا أخرجه (م)، عن محمد بن يحيى القطيعي، عنه، وأتى به (خ) لبيان سماع قتادة فيه، فإنه مدلس صرح بسماعه. وسلف في الشهادات.
          3- حديث زينب بنت أم سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: يا رسول الله، انكح أختي الحديث وهذه القطعة سلفت، وتأتي في النفقات.
          قولها: (انكح أختي) في رواية (م): أنها عزة بفتح العين وتشديد الزاي، قال القاضي: ولا نعلم هذه في بنات أبي سفيان إلا من هذا الحديث.
          وقيل: إنها حمنة، وقيل: درة، حكاه المنذري. قوله بنت أبي سلمة هي در. كما ذكره بعد في باب الجمع بين الأختين، وغيره، وهي بضم الدال المهملة.
          وحكى عياض عن بعض رواة (م) بفتحها معجمة.
          قال النووي: وهي تصحيف، ولا شك فيه. ووقع في كتاب ((الصحابة)) لأبي موسى أنها حمنة، ثم قال: والأشهر عَزّة.
          قوله: (أُرِيه بعض أهله) هو العباس، كما أفاده السهيلي. والحِيبة بكسر الحاء، وكذا الحوبة: الهم والحزن وسوء الحال. كذا للمستملي كالحموي، ولغيرهما بالخاء المعجمة، قاله عياض.
          وقال غيره: والحيبة أيضاً: الحاجة والمسكنة وأصل الياء في حيبة الواو، فقلبت ياء لانكسار ما قبلها. وكانت ثويبة أرضعته ◙، وعمه حمزة، وأبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد. وكان ◙ يكرمها، وكانت تدخل عليه بعد أن تزوج خديجة ويصلها من المدينة حتى ماتت بعد فتح خيبر وكانت تكرمها، وأعتقها أبو لهب(1) بعد الهجرة فلما بلغه موت ثويبة سأل عن ابنها مسروح، فقيل له: مات، فسأل عن قرابتها، فقيل: إنه لم يبق منهم أحد.
          قال أبو نعيم: ولا أعلم أحداً أثبت إسلامها غير ابن منده.
          قوله: (غير أني سقيت في هذه) يعني: النقير الذي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع. كذا رواه البيهقي في ((دلائله)) وقيل: أراد الوقبة التي بين الإبهام والسبابة.
          وقال القرطبي في ((مفهمه)): سقي نطفة(2) من ماء في جهنم بسبب ذلك، قال: وذلك أنه جاء في ((الصحيح)): أنه رُؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: سقيت في مثل هذه. وأشار إلى ظفر إبهامه.
          ومذهب المحققين أن الكافر لا يخفف عنه العذاب بسبب حسناته في الدنيا، بل يوسع عليه بها في دنياه، وهذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه أيضاً.
          وقال ابن التين: كأنها إشارة إلى حفرة في إبهامه إذا نصبها ومدها.
          قال: وكذلك بينه في بعض الروايات: سقيت في النقرة التي بين الإبهام وبين السبابة.
          وقال ابن بطال: روى علي بن المديني، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.
          وفيه: قال: ما وجدت بعدكم راحة غير أني سقيت في هذه وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه بعتقي ثويبة.
          قال ابن بطال: بان بهذا أنه سقط من رواية (خ): في الحديث راحة، بعد قوله: (لم ألق بعدكم)؛ لأنه لا يتم الكلام على ما رواه (خ). ولذلك سقط منه: وأشار إلى النقرة.. إلى آخره، ولا يقوم يعني: الحديث إلا بذلك، ولا أعلم ممن جاء الوهم فيه.
          قوله: (ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) قوله بعده: (الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) وهو إجماع لا خلاف فيه بين الأمة، وقد قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] فإذا كانت الأم والخالة هذه محرمة / فكذا زوجها؛ لأنه والده؛ لأن اللبن منهما جميعاً، وانتشرت الحرمة إلى أولاده، فأخو صاحب اللبن عم، وأخوها خاله، فحرم من الرضاع العمات والخالات والأعمام والأخوال وبناتهن كالنسب.
          وسبب كون بنت حمزة بنت أخيه ◙ قد أسلفناه، فإن ثويبة أرضعت أولاً حمزة ثم رسول الله، ثم أبا سلمة على ما قاله مصعب الزبيري، فالثلاثة إخوة من الرضاعة.
          وقال ابن إسحاق: كان حمزة أسن من رسول الله بسنتين، وقيل: بأربع.
          وقول أم حبيبة: (انكح أختي) وجهه أنها لم تعلم حرمة الجمع بين الأختين، ولذلك قال لها ولسائر أزواجه: (لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن فإن بناتكن ربائب لي) والربيب حرام مثل الجمع بين الأختين.
          قوله في بنت أم سلمة: (لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي) من أجل أن أبا سلمة أخو النبي صلعم فكانت بنته حراماً؛ لأنها ربيبة لرسول الله صلعم، وأنها بنت أخيه من الرضاعة.
          وفيه: أن الكافر قد يعطى عوضاً من أعماله التي يكون مثلها قربة لأهل الإيمان بالله كما في حق أبي طالب وقد سلف، غير أن التخفيف عن أبي لهب أقل من التخفيف عن أبي طالب؛ لأن أبا لهب كان مؤذياً لرسول الله صلعم، فلم يحق له التخفيف بعتق ثويبة إلا بمقدار ما تحمل النقرة التي تحت إبهامه من الماء، وخفف عن أبي طالب أكثر من ذلك؛ بنصرته لرسول الله وحياطته له، وقيل: إنه من تفضل الله عليه.
          كما قال ابن بطال: وصح قول من تأول في معنى الحديث الذي جاء عن الله تعالى أن رحمتي سبقت غضبي أن رحمة لا تنقطع عن أهل النار المخلدين فيها، إذ في قدرته أن يخلق لهم عذاباً يكون عذاب النار لأهلها رحمة وتخفيفاً، بالإضافة إلى ذلك العذاب.
          وسلف أن الجمع بين أختين في عقد واحد حرام، وهو إجماع، وقال يقال وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف.
          واختلف في الأختين بملك اليمين، وكافة العلماء على التحريم أيضاً، وشذ أهل الظاهر فيه قاسوه على الملك، وحملوا الآية على المنكوحات، فإنه عطف ذلك عليهم، ولا يلزم فقد يكون الأول خاصًّا، والثاني عامًّا، واحتجوا بما روي عن عثمان: حرمتهما آية وأحلتهما آية، وحكاه الطحاوي عن علي وابن عباس، والآية المحلة لهما: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء:24] وقد روي المنع عن عمر وعلي أيضاً وابن مسعود وابن عباس وعمار وابن عمر وعائشة وابن الزبير.
          قال الطحاوي: والقياس أن يكونا أيضاً محرمين وأن يكون حكمهما كحكمهما في النكاح، وأما ابن حزم فوافق الجماعة في التحريم، قال: فمن اجتمع في ملكه أختان فهما جميعاً عليه حرام حتى تخرج أحدهما عن ملكه بموت أو بيع أو هبة أو شبهه.
          وقام الإجماع أيضاً على ثبوت حرمة الرضاع بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير بمنزلة ابنها من الولادة، ويحرم عليه نكاحها أبداً، ويحل له النظر إليها والخلوة بها والمسافرة، ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه ولا يوارث ولا نفقة ولا عتق بالملك ولا ترد شهادته لها، كالأجنبي في هذه الأحكام، وقام الإجماع أيضاً على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع وبين الرضيع وأولاد المرضعة، وأن ذلك كولدها من النسب للأحاديث المذكورة هنا وفي الشهادات.
          وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه / لكونه زوج المرأة أو وطئها بملك اليمين أو شبهه، فمذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاعة بينه وبين الرضيع ويصير ولداً له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع، وإخوة الرجل أعمام الرضيع، وأخواته عماته، ويكون أولاد الرضيع أولاداً للرجل، ولم يخالف في ذلك إلا أهل الظاهر وابن علية، فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع، كذا نقله الخطابي وعياض عنهما(3).
          قال ابن بطال: وروي أيضاً عن عائشة وابن عمر وابن الزبير، واحتجوا بقوله: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء:23] ولم يذكر البنت والعمة كما ذكرها في النسب.
          حجة الجمهور الأحاديث الواردة في عم عائشة وحفصة المذكورين، ولما ذكر (ت) حديث علي بن زيد، عن ابن المسيب، عن علي رفعه: ((إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب)) وقال: والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من الصحابة وغيرهم(4).
          قال ابن المرابط: حديث عم حفصة قبل حديث عم عائشة، وهما متعارضا الظاهر وغير متعارضين في المعنى، عم حفصة أرضعته المرأة مع عمر بن الخطاب فالرضاعة فيهما من قبل المرأة، وعم عائشة إنما هو من قبل الفحل، كانت امرأة أبي القعيس أرضعتهما فجاء أخو أبي القعيس يستأذن، فأخبرها الشارع أن الرضاعة من قبل الفحل تحرم كما تحرم من قبل المرأة التي أخبرها في حديث حفصة فصح أن حديث أخي أبي القعيس بعد حديث حفصة صحيح إلا أن في قوله: أخي أن عم عائشة مثل عم حفصة رضع من أبيها عمر وعم عائشة لم يرضع مع أبي بكر كما رضع عم حفصة مع عمر، وأما مع عم عائشة فسبب عمومته غير سبب عمومة عم حفصة؛ إلا أنه استحق العمومة من أجل أنه أخو فحل المرأة وبعلها التي أرضعت عائشة فكانت عمومته من قبل الفحل وعم حفصة من قبل الرضاع نفسه فبينهما اختلاف في الأسباب ودرجات في معنى العمومة.
          وقول عائشة لو كان فلان حيًّا لعمها من الرضاعة دخل علي، سئل أبو الحسن عنه هل هو من الحديث الذي ذكر فيه: أبت أن تأذن له؟ فالأول ذكرت أنه ميت والثاني ذكرت أنه حي. فأجاب بأنهما عمان من الرضاعة أحدهما رضع مع أبي بكر امرأة واحدة وهو الذي في حديث مالك: لو كان حيًّا، والآخر: أخو أبيها من الرضاعة من قبل الفحل فإن أباها رضع من امرأة بلبن ذلك الفحل، وكان لذلك الفحل ابن من غير تلك المرأة(5).
          وقال ابن أبي حازم: نرى أن المرأة التي أرضعت عائشة امرأة أخي الذي استأذن عليها وهذا هو الصحيح بدليل قولها: (إنما أرضعتني المرأة) وأبين من ذلك ما سلف من أن أفلح استأذن عليها، فلم يؤذن له.. الحديث. فالعمومة من الرضاعة أربع:
          1- أن يرضع جدها.
          2- أن يرضع أبوها مع امرأة.
          3- أن يرضع أبوها امرأةً لها زوج وله ولد من غير تلك المرأة.
          4- أن ترضع جدتها هي امرأة ولها زوج له أخ ومع هذا كان لبن الفحل ضعيفاً عند عائشة.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: التخفيف عن أبي لهب حصل بماذا؟ قلت: يحتمل أن يكون بإعتاقه ثويبة حين بشرته بولادة رسول الله، ويحتمل أن يكون بسبب فك رقبتها عن الرق، والأول أظهر لأنه حين استبشر بولادته ◙ حصل له به تخفيف من العذاب)).
[2] في هامش المخطوط: في (ط): ((نقطة)).
[3] في هامش المخطوط: ((وفي رواية لمسلم: استأذن علي عمي من الرضاعة أبو الجعد، أقول: فعلم أن أفلح كنيته أبو الجعد، فإن قلت: إذا كانا عمين فهلا اكتفت بأحد السؤالين؟ قلت:... أن أحدهما كان عما من أحد الأبوين والآخر منهما، أو عما أعلى والآخر أدنى، فجازت أن تكنية الإباحة مختصة بصاحب الرضعة المسئول عنه أو لا والله أعلم)).
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن الظانين أن يسأل النبي ◙ أبا بكر وأم رومان عن ذلك فإن عائشة حين رضاعتها لم تعرف من أرضعها، قلت: سألها على أنها لو لم تحقق من أبويها ما يحل له الدخول عليها لما أذنت له، وذلك إنما يكون من قبل أبويها ولعله سأل أبويها بعد سؤالها عن ذلك.)).
[5] في هامش المخطوط: ((واختلف في عم عائشة فقال أبو الحسن القابسي هما عمان لعائشة: أحدهما: أخو أبي بكر من الرضاعة، والثاني: أخو أبيها من الرضاعة الذي هو أبو القعيس، وأبو القعيس أبوها من الرضاعة وأخوه أفلح عمها، وقيل: هو عم واحد وهو غلط فإن في حديثه جاء عمها يستأذن، وفي الآخر قالت: لو كان فلان حيًّا فهو ميت فالصواب ما قاله القابسي فإنه لو كان واحداً لفهمت حكمه من المرة الأولى ولم تحتجب منه بعد ذلك)).