مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله جل وعز: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة}

          ░34▒ باب / قوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ} [البقرة:235]
          {أَكْنَنتُمْ} أضمرتم، وكل شيء صنته فهو مكنون.
          وقال لي طلق: إلى آخره أما الآية فروى أبو محمد بن حيان في كتاب ((النكاح)) من كتاب عبد الله بن أبي أحمد، قالت أم كلثوم بنت أبي معيط: أنكحني رسول الله زيد بن حارثة ثم قتل عني، فأرسل إلي الزبير بن العوام يقول: احبسي علي نفسك. فقلت: نعم. فنزلت الآية.
          والتعليق الأول أخرجه ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد، وقول القاسم أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً.
          وتعليق عطاء أخرجه عبد الرزاق، عن معمر، عن عمرو بن دينار، عنه، وقول الحسن أخرجه عبد الرزاق أيضاً، عن معمر، عن قتادة، عنه بلفظ: هو الفاحشة. كأنه يريد الفعل؛ لأن الزنا لا يجوز المواعدة فيه سرًّا ولا جهراً، وهو لفظ مستعمل مشهور على ألسنة العرب.
          وعند [ابن] أبي شيبة بسنده عن أبي مجلز والحسن: هو الزنا، وكذا قاله إبراهيم وأبو الشعثاء.
          قال الشعبي: هو أن يأخذ عليها عهداً رضائيًّا أن لا تتزوج غيره، وقال مجاهد: سرًّا يخطبها في عدتها.
          وقال الشافعي: هو الجماع، وهو التصريح بما لا يحل له في حالته تلك.
          قوله: (ويذكر عن ابن عباس) إلى آخره، هذا التعليق أخرجه إسماعيل بن أبي زياد في ((تفسيره)) عن جويبر، عن الضحاك، عنه، وعن ابن أبي شيبة جواز التعريض، عن مجاهد والحسن وعبيدة السلماني وسعيد بن جبير والشعبي وأبي الضحى، وقال النخعي: لا بأس بالهدية في تعريض النكاح، وثنا ابن إدريس، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أنه ◙ قال لفاطمة بنت قيس: ((انتقلي إلى أم شريك ولا تفوتينا نفسك)).
          وفي الدارقطني من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عمته سكينة بنت حنظلة قالت: استؤذن علي محمد بن علي بن الحسين، ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي. فقال: قد عرفت قرابتي من رسول الله وقرابتي من علي، وموضعي في العرب. قالت: فقلت: غفر الله لك أبا جعفر، أنت رجل يؤخذ عنك، تخطبني في عدتي؟! قال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله ومن علي، وقد دخل رسول الله صلعم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال: ((لقد علمت أني نبي الله، وخيرته من خلقه، وموضعي في قومي)) فكانت تلك خطبته.
          وحرم الله عقد النكاح في العدة بقوله: {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}، وهذا من المحكم المجمع على تأويله، أن بلوغ أجله: انقضاء العدة، وأباح تعالى التعريض في العدة بقوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء} [البقرة:235] ولم يختلف العلماء في إباحة ذلك لما عدا الرخصة، وإنما منع من العقد فيها؛ لأن ذلك ذريعة إلى المواقعة فيها التي هي محبوسة على ماء الميت أو المطلق، كما منع المحرم بالحج من عقد النكاح؛ لأنه مؤد إلى الوقاع، فحرم عليه السبب والذريعة إلى فساد ما هو فيه وموقوف عليه، وأباح التعريض في العدة؛ خشية أن تفوت نفسها.
          واختلف العلماء في ألفاظ التعريض، والمعنى واحد، فقال قتادة وسعيد بن جبير في قوله تعالى: {لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} لا يأخذ عهدها في عدتها ألا تنكح غيره.
          واختلف في الرجل يخطب المرأة في عدتها جاهلاً، ويواعدها ويعقد / بعد العدة: فكان مالك يقول: فراقها أحب إلي، دخل بها أو لم يدخل، ويكون تطليقة واحدة، ويدخل حتى تحل.
          قال الشافعي: إن صرح بالخطبة، وصرحت له بالإجابة، ولم يعقد النكاح حتى تنقضي العدة، فالنكاح ثابت والتصريح لها مكروه؛ لأن النكاح حادث بعد الخطبة.
          واختلف إذا تزوجها في العدة ودخل بها، قال مالك والليث: ولا بملك اليمين، واحتجوا بأن عمر قال: لا يجتمعان أبداً وتعتد منهما جميعاً.
          وقال الثوري والشافعي والكوفيون: يفرق بينهما. فإذا انقضت عدتها من الآخر فلا بأس أن يتزوجها. واحتجوا بإجماع العلماء أنه لو زنا بها لم يحرم عليه تزويجها، فكذلك وطؤه إياها في العدة، وهو قول علي ذكره عبد الرزاق، وذكر عن ابن مسعود مثله، وعن الحسن أيضاً.
          واختلف هل تعتد منهما جميعاً: فروى المدنيون عن مالك أنها تتم بقية عدتها من الأول، وتستأنف عدة أخرى من الآخر، روي ذلك عن عمر وعلي، وهو قول الليث والشافعي وأحمد وإسحاق.
          وروى ابن القاسم عن مالك أن عدة واحدة تكون لهما جميعاً، سواء كان بالحيض أو بالحمل أو الشهور، وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة.
          قال الشافعي: والعدة التي أذن الله تعالى بالتعريض فيها هي العدة من وفاة الزوج، ولا أحب ذلك في العدة من الطلاق البائن احتياطاً، وأما التي لزوجها عليها رجوع فلا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها، وحاصل مذهبه أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات، وأما التعريض فيحرم الرجعية، ويحل التعريض في عدة الوفاة والبائن.
          ومعنى قوله: (يعرض ولا يبوح) يريد: ولا يصرح. يقال: باح بسره إذا أفشاه.
          وتضمنت آية الباب أربعة أحكام: اثنان ممنوعان وهما النكاح في العدة والمواعدة، واثنان مباحان: التعريض والإكنان.