مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرًا

          ░97▒ باب القرعة بين النساء إذا أراد سفراً
          فيه حديث عائشة: أنه ◙ كان إذا خرج أقرع بين نسائه، الحديث سلف في الشهادات وغيرها، من طريق آخر عنها في حديث الإفك.
          وللإسماعيلي بعد عقرباً: ورسول الله ينظر، وهو ظاهر فيما ترجم له من القرعة بين النساء عند إرادة السفر، وليس له المسافرة بما شاء منهن بدونها، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وهو أحد الأقوال عن مالك.
          ثانيها: عنه: له المسافرة بمن شاء منهن بدونها.
          ثالثها: لبعض أصحابه: إن سافر لحج أو غزو أقرع، أو لتجارة خرج بمن شاء.
          وفيه: أن القسم يكون بالليل والنهار، وقد بان ذلك في حديث عائشة قالت: كان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، سلف في الشهادات وغيره.
          وفيه: أن الاستهام بين النساء مطلوب.
          قال ابن بطال: وهو من السنن لا من الفرائض، يوضحه أن مدة السفر لا تحاسب به المتخلف من النساء الغادية، بل يبتدئ بالقسم بينهن إذا قدم على سبيل ما تقدم قبل سفره، ولا خلاف بين أئمة الفتوى في أن الحاضرة لا تقاص المسافرة بشيء من الأيام التي انفردت بها في السفر عند قدومه، ويعدل بينهن فيما يستقبل. ذكره ابن المنذر عن مالك، والكوفيين، والشافعي، وأبي عبيد، وأبي ثور.
          وتحيل حفصة على عائشة في بدل بعيرها في الركوب دليل على أنه ليس من الفروض؛ لأن حفصة لا يحل لها من رسول الله إلا ما أباحه لها، وبذله من نفسه، فقد تحيلت، ولم يبين لها الشارع أن ذلك لا يحل لها، قاله المهلب.
          وادعى القرطبي أن عليها الدرك؛ لأنها خالفت مراده في حديثه، فقد يريد أن يحدث عائشة حديثاً يسره إليها، أو يختص بها، فتسمعه حفصة، قال: وهذا لا يجوز اتفاقاً، لكن حملها على ذلك الغيرة التي تورث الدهش والحيرة.
          وقول المهلب: لو كان القسم واجباً عليه لحرم على حفصة ما فعلت، ليس بلازم؛ لأن القائل بوجوب القسم عليه لا يمنع من حديث الأخرى في غير وقت القسم؛ لجواز دخوله في غير وقت عادة القسم إلى غير صاحبة النوبة، ويقبلها ويلمسها من غير إطالة، وعماد القسم في حق المسافر وقت نزوله، وحالة السير منه ليلاً كان أو غيره.
          وفيه: أن دعاء الإنسان على نفسه عند الحرج وما شاكله يعفو الله عنه في أغلب الأحوال؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ} [يونس:11].
          وفيه: أن الغيرة في النساء مسموح لهن فيها، وغير منكرة من أخلاقهن ولا معاقب عليها وعلى مثلها؛ لصبره ◙ لسماع مثل هذا من قولها، ألا ترى قولها: ((أرى ربك يسارع في هواك)). ولم يرد ذلك عليها ولا زجرها وعذرها؛ لما جعل الله في فطرتها من شدة الغيرة.
          والقرعة فيما قدمناه واجبة عندنا، وأما سيدنا رسول الله فهو مبني على وجوب القسم في حقه، فمن قال بوجوبه يجعل إقراعه واجباً، يقول: فعل ذلك من حسن العشرة ومكارم الأخلاق وتطييباً لقلوبهن.
          قوله: (وكان النبي ◙ إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث)، يحتمل كما قال الداودي أن يكون هذا في ليلة عائشة، والظاهر كما قال ابن التين خلافه؛ لأن النبي صلعم لو كان إنما يمشي مع عائشة في ليلتها لفعل مثله بحفصة، ولم تحتج حفصة أن تركب بعير عائشة. وإتيانه ◙ إلى بعير عائشة يدل أن ذلك كانت عادته معها، ولذلك رغبت حفصة في مصاحبته في ليلة، ولما لم تره عائشة في تلك الليلة أدركتها الغيرة، ولم تجد إلى القول سبيلاً فتمنت الموت أن عقرباً يقرصها.
          وظاهر / حديث عائشة أنه لا يقسم بينهما في السير والحديث، وأن ذلك كان مع عائشة دائماً دون حفصة، فيحتمل أن هذا القدر لا يجب القسم فيه؛ إذ الطريق ليس محلًّا للخلوة، ولا يحصل لها منه اختصاص، ويحتمل أن يقال: إن القدر الذي يقع به التسامح من السير والحديث مع أحدهما كان يسيراً، كما يفعل في الحضر، فإنه يتحدث ويسأل وينظر في مصلحة البيت من غير إكثار، وعلى هذا فيكون إنما أدام ذلك؛ لأن أصل القسم لم يكن عليه واجباً.
          ولم يختلف في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة فيما مضى لها مع زوجها في السفر كما سلف، وكذلك لا يختلفون في القسم بين الزوجات في السفر، كما يقسم بينهن في الحضر.
          ووقع في بعض النسخ بعد قولها: (يا رب، سلط علي عقربا أو حية تلدغني): رسولك. كذا هو بالنصب بإضمار فعل، التقدير: انظر رسولك. ويجوز الرفع على الابتداء، وإضمار الخبر، وسلف في رواية الإسماعيلي: ورسول الله ينظر.
          قولها: (ولا أستطيع أن أقول شيئا) ظاهره أنه ◙ لم يعرف القصة، ويحتمل أن يكون عرفها بالوحي أو بالقرائن، وتغافل ◙ عما جرى؛ إذ لم يجر فيها شيء يترتب عليه حكم.