مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب حق إجابة الوليمة والدعوة

          ░71▒ باب حق إجابة الوليمة والدعوة
          ومن أولم سبعة أيام ونحوه. ولم يوقت النبي صلعم يوماً ولا يومين.
          فيه أربعة أحاديث:
          1- عن ابن عمر: قال النبي صلعم: ((إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)).
          2- حديث أبي موسى، عن النبي صلعم قال: ((فكوا العاني)).
          وسلف في الجهاد في باب فكاك الأسير.
          3- حديث أبي الأحوص، عن أشعث، عن معاوية بن سويد، قال: قال البراء بن عازب: أمرنا رسول الله بسبع، ونهانا عن سبع.. الحديث / .
          سلف في الجنائز، وأبو الأحوص اسمه: سلام بن سليم الحنفي الكوفي، مات سنة تسع وسبعين ومائة، والتسميت بالسين المهملة والمعجمة.
          والمياثر: حمر كانت من مراكب العجم، كما قاله ابن فارس. وقال الداودي: هو ما يغشى به عيدان السروج، والقسية: بتشديد السين، ثياب يؤتى بها من مصر فيها الحرير. والإستبرق: غليظ الديباج، وغلط الداودي فقال: هو الحسن من رقته. وقيل: أصله استبره، ونهى عنه تأكيداً له، ثم حرم الديباج كله.
          4- حديث سهل بن سعد قال: دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلعم في عرسه، وكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس. الحديث ويأتي بعده، أخرجه (م) أيضاً.
          و(أبو أسيد) بضم الهمزة اسمه مالك بن ربيعة بن البدن، وقيل: البدي، وقيل: اسم البدن: عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج، أخي الأوس، قيل: إنه آخر من مات من البدريين سنة ستين أو خمس وستين، له عقب بالمدينة وبغداد.
          وأم أسيد هذه هي أم المنذر وأسيد، واسمها: سلامة ابنة وهب بن سلامة بن أمية، ذكرها أهل النسب ولم يذكرها أحد من جملة الصحابة. وقد صح أن ابنها المنذر حنكه النبي صلعم لما جيء به إليه؛ فدل أن لها صحبة لا جرم ذكرها الذهبي فيهم، ولم يذكر اسمها فقال: أم أسيد الأنصارية امرأة أبي أسيد، ذكر عرسها سهل بن سعد، أخرجه (خ).
          قولها: (أنقعت) وأنقعني الماء، قال الجوهري: نقع الماء في الموضع استنقع، وأنقعني الماء: الراوي، وأنقعت الشيء في الماء، ويقال: طال إنقاع الماء واستنقاعه حتى اصفر.
          قوله: (وهي العروس) قال صاحب ((العين)): رجل عروس في رجال عرس، وامرأة عروس في نساء عرس، قال: والعروس نعت استوى فيه المذكر والمؤنث، ما داما في تعريسهما أما إذا عرس أحدهما بالآخر، وأحسن ذلك أن يقال للرجل: معرس؛ لأنه قد أعرس؛ أي: اتخذ عرساً.
          ونقل ابن بطال اتفاق العلماء على وجوب الإجابة إليها، وله شروط منها: أن لا يكون هناك منكر، وقد رجع ابن مسعود وابن عمر لما رأيا التقادير كما سيأتي، والمراد بإجابة الداعي في العرس، قال مالك: ذلك في العرس خاصة؛ لإفشاء النكاح، وكره أهل الفضل أن يجيبون للطعام يدعون إليه، يريد في غير العرس. من الدعوات، فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يجب إتيان وليمة العرس ولا يجب إتيان غيرها في الدعوات، وقال الشافعي: إجابة وليمة العرس واجبة، ولا أرخص في ترك غيرها مثل: النفاس، والختان، وحادث سرور. ومن تركها فليس بعاص، كالوليمة وقد سلف.
          وقال أهل الظاهر: إجابة كل دعوة فيها طعام واجب.
          قال ابن حبيب: قد أبيحت الوليمة أكثر من يوم، وأولم ابن سيرين ثمانية أيام، ودعي في بعضها أبي بن كعب، كذا ذكره ابن بطال [و]ابن سيرين.
          والذي أخرجه البيهقي وغيره: سيرين، كما ستعلمه. وكره قوم ذلك أياماً وقالوا: اليوم الثاني فضل والثالث سمعة. وأجاب الحسن رجلاً دعاه في اليوم الثاني، ثم دعاه في الثالث فلم يجبه، وقال ابن مسعود: نهينا أن نجيب من يرائي بطعامه.
          وقول من أباحها بغير توقيت أولى؛ لقول (خ): ولم يوقت رسول الله يوماً ولا يومين. وذلك يقتضي الإطلاق ومنع التحديد؛ إلا بحجة يجب التسليم لها.
          ولم يرخص العلماء للصائم / في التخلف عن إجابة الوليمة. وقال الشافعي: إذا كان المجيب مفطراً أكل، وإن كان صائماً دعا. واحتج بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل)) أخرجه (م) أي: فليدع. وفعله ابن عمر ومد يده وقال: بسم الله كلوا فلما مد القوم أيديهم، قال: كلوا فإني صائم.
          وقال قوم: ترك الأكل مباح، وإن لم يصم إذا أجاب الدعوة، وقد أجاب علي بن أبي طالب ولم يأكل، وذكر في الترجمة: الوليمة سبعة أيام. ولم يأت به في الحديث، وقصده الرد على من أنكر اليوم الثالث، فاستدل على ذلك بإطلاق إجابة الداعي من غير تقييد، فاندرج فيه السبعة المدعى أنها ممنوعة.
          روى ابن أبي شيبة بسنده عن حفصة قال: لما تزوج ابن سيرين دعا الصحابة سبعة أيام، فلما كان يوم الأنصار دعاهم وفيهم: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت. وأخرجه البيهقي من حديث محمد عن حفصة أن سيرين عرس بالمدينة، فأولم فدعا الناس سبعاً، وكان فيمن دعا أبي بن كعب، وهو صائم، فدعا لهم بخير وانصرف. وقال معمر عن أيوب: ثمانية أيام. والأول أصح.
          قال الداودي: جاء أن الوليمة سبعة أيام. ودل أنما فوقه رياء وسمعة، وسيأتي حديث أنها في اليوم الأول حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة. وفي حديث صفية أنه ◙ أقام في طريق خيبر ثلاثة أيام، يبني عليه بصفية.
          قوله: (ولم يوقت النبي صلعم يوماً ولا يومين) كأنه لم يصح فيه حديث أنس السالف، ومثله أحاديث أخر:
          أحدها: حديث الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من بني ثقيف كان يقال: له معروف أنه ◙ قال: ((الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة)) أخرجه (د).
          ثانيها: حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلعم قال: ((طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به)) أخرجه (ت).
          ثالثها: حديث أبي هريرة قال رسول الله صلعم: ((الوليمة أول يوم حق)) الحديث أخرجه ابن ماجه.