مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب لبن الفحل

          ░22▒ بابُ لبن الفحل
          فيه حديث عائشة أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها... الحديث.
          وسلف في الشهادات وهو في تفسير سورة الأحزاب، وسلف أيضاً قريباً باختلاف العلماء فيه.
          قال ابن المنذر: والسنة يستغنى بها عما سواها، ومن جهة النظر أن سبب اللبن هو ماء المرأة والرجل، فوجب أن يكون الرضاع منهما كما كان الولد لهما.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (ربيعة) بفتح الراء، ابن أبي عبد الرحمن المشهور بربيعة الرأي، و(بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى، جارية اشترتها عائشة فأعتقتها، و(سنن) أي: طرق يعني أحكاماً شرعية وفي حديثها أحكام كثيرة وفوائد غزيرة صنفوا فيها كتباً، وبعضها مر في الكتابة وذكر الثلاث لا ينفي الزائد.
          قوله: (برمة) قال المالكي في ((الشواهد)): لا يمنع الابتداء بالنكرة على الإطلاق، بل إذا لم يحصل الابتداء بها فائدة، ومن محصلاتها الاعتماد على واو الحال نحو دخل رسول الله صلعم وبرمة على النار وقال تعالى: {وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران:154].
          قوله: (صدقة) الفرق بينها وبين الهدية أنها إعطاء لثواب الآخرة والهدية إعطاء لإكرام المنقول إليه والسنن الثلاث أولها أن الأمة التي تحت العبد إذا أعتقت لها الخيار في فسخ نكاحها، والثانية: أن لا ولاء إلا لمعتق، قولا العتيق لمعتقه لا لغيره وإن اشترط أن يكون للغير، والثالثة: أن الصدقة بعد القبض صارت ملكاً للقابض فلها حكم سائر المملوكات وبطل عنها حكم الصدقة.
          فإن قلت: أين في الحديث أن زوجها واسمه مغيث بلفظ فاعل الإغاثة بالمعجمة والمثلثة كان عبداً؟ قلت: لما كان ذلك معلوماً من طرقه الآخر اعتمد عليه.
          قوله: (أو ثلاث) يعني: الواو الواصلة بمعنى أو الفاصلة، و(محمد) أي: ابن سلام، و(عبدة) ضد / الحرة ابن سليمان، و(عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم بالمهملة والزاي الأنصاري، و(عمرة) بفتح المهملة، و(جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء بالمعجمة والمهملة والمثلثة والمد الأزدي.
          قوله: (ابنة أخي) لأن ثويبة مصغر الثوبة بالمثلثة والواو والموحدة، أرضعت رسول الله صلعم بعد ما كانت أرضعت حمزة ☺.
          قوله: (بشر) بالموحدة المكسورة وسكون المعجمة، ابن عمر الزهراني بفتح الزاي وإسكان الهاء وبالراء وبالنون، و(الحكم) بالمفتوحتين، و(أبو سلمة) بفتح المهملة واللام، و(أم حبيبة) ضد العدوة رملة الأموية، و(مخلية) بلفظ فاعل الإخلاء متعديا ولازماً من أخليت بمعنى خلوت من الضرة، وفي بعضها بلفظ المفعول من الخلا، و(خير) أي: صحبة رسول الله صلعم المتضمنة لسعادات الدارين، واسم هذه الأخت عزة بفتح المهملة وشدة الزاي، ولا يحل لأنه جمع بين الأختين، وهذا كان قبل علمها بالحرمة أو ظنت أن جوازه من خصائص النبي صلعم؛ لأن أكثر حكم نكاحه مخالف لأحكام أنكحة الأمة(1).
          و(أم سلمة) هند المخزومية زوج رسول الله صلعم وبنتها هي ربيبة رسول الله صلعم واسمها دُرة بضم الدال وشدة الراء فقال: إنها حرام علي بسببين كونها ربيبتي وكونها بنت أخي الرضاعي؛ لأن أباها يعني أبا سلمة أرضعته ثويبة التي أرضعت رسول الله صلعم.
          فإن قلت: الربيبة مطلقاً حرام سواء كانت في حجر زوج أمها أم لا؟ قلت: التقييد إذا خرج مخرج الغالب لم يكن لمفهومه اعتبار فلا يقصر الحكم عليه.
          قوله: و(ثويبة) مصغر الثوبة، كانت أمة لأبي لهب فأعتقها فأرضعت النبي صلعم وهي التي أرضعت حمزة قبله ◙ وأبا سلمة بعده واختلف في إسلامها، و(أرى) بصيغة مجهول ماضي الأفعال يعني رأى بعض أهله أبا لهب في المنام على (شر حيبة) بكسر المهملة وإسكان التحتانية وبالموحدة؛ أي: على أسوأ حالة يقال: مات الرجل بحيبة سوء؛ أي: بحالة رديئة، و(سقيت) بلفظ ما لم يسم فاعله وهذه قالوا هي إشارة إلى النقرة التي بين الإبهام والمسبحة، وفي بعض الروايات: أنه قال ما رأيت بعدكم روحاً غير أني سقيت في هذه بعتقي ثويبة وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والسبابة ولفظ: (عتاقتي) بفتح العين.
          فإن قلت: معناه التخلص من الرقبة فالصحيح أن يقال بإعتاقي؟ قلت: قال صاحب ((المحكم)) يقال: حلف بالعتاق، ويحتمل أن تكون ثويبة بدلاً من الإبدال.
          فإن قلت: فيه دلالة على أن الكافر ينفعه العمل الصالح وقد قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان:23](2) قلت: لا إذ الرؤيا ليست بدليل وعلى تقدير التسليم يحتمل أن يكون [العمل] الصالح والخبر الذي يتعلق بالرسول صلعم مخصوصاً من ذلك كما أن أبا طالب أيضاً ينتفع بتخفيف العذاب.
          قال الإمام البيهقي: ما ورد في بطلان خيرات الكفار معناه أنهم لا يكون لهم التخلص من النار وإدخال الجنة لكن يخفف عنهم عقابهم الذي يستوجبونه على جنايات ارتكبوها سوى الكفر بما عمل من الخيرات.
          القاضي عياض: انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذاباً من بعض بحسب جرائمهم.
          قوله: (أبو الوليد) بفتح الواو وكسر اللام، هشام بن عبد الملك، و(الأشعث) بفتح الهمزة وإسكان المعجمة وبالمثلثة، ابن أبي الشعثاء ممدوداً والأخ والأخت هما أفعل فعلا (المحاربي) بلفظ فاعل ضد المصالحة.
          قوله: (المجاعة) أي: الجوع يعني الرضاعة التي تثبت بها الحرمة / ما تكون في الصغر حين يكون الرضيع طفلاً يسد اللبن جوعته؛ لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن وينبت لحمه بعد ذلك فيصير كجزء من المرضعة فيكون كسائر أولادها، وهذا أعم من أن يكون قليلاً أو كثيراً.
          مذهب (خ) أن الحرمة تثبت برضعة واحدة وعليه أبو حنيفة ومالك وقد صرح في الترجمة به، وقال الشافعي: وكذلك المصة والمصتان لا تسد الجوع وإنما يحرم إذا كان في الحولين قدر ما يدفع المجاعة وهو ما قدرته الشريعة يعني: خمساً أي لا بد من اعتبار الزمان والمقدار فهذا الحديث مما احتج به الخصمان لطرفي النقيض.
          قوله: (أفلح) بفتح الهمزة واللام وسكون الفاء وبالمهملة (أخو أبي القعيس) بضم القاف وفتح المهملة وإسكان التحتانية وبالمهملة.
          فإن قلت: ليس هذا العم هو الذي قالت عائشة في حقه لو كان فلان حيًّا لدخل علي؟ قلت: الصحيح أن لها عمين من الرضاعة أحدهما أفلح والآخر الميت، وقال بعضهم: هما واحد ومر الحديث في كتاب الشهادات.
          الزركشي:
          (قيل للنبي صلعم: ألا تتزوج بنت حمزة) القائل ذلك علي، في رواة (م)، وكأنه لم يعلم بأخوة حمزة له من الرضاع، ويبعد أن يقال: علم به لكن لم يعلم تحريم ذلك.
          (انكح أختي) هي عزة بفتح العين المهملة والزاي المشددة بينها (م).
          (مخلية) بضم الميم وسكون الخاء وكسر اللام، اسم فاعل من أخلى يخلي؛ أي: ليست بمنفردة بك ولا خالية من ضرة.
          (وأحب) مرفوع بالابتداء.
          (شاركني) ويروى: شركني.
          (بنت أبي سلمة) سيأتي أن اسمها درة بضم المهملة، ووهم من أعجمها.
          (لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة) فيه تعليل الحكم الواحد بعلتين، فإنه علل تحريمها بكونها ربيبة وبنت أخ.
          (لا تعرضن) بفتح التاء وسكون العين وكسر الراء والنون مشددة خطاب لأم حبيبة، وبإسكان الضاد خطاب لجماعة نسائه، ويروى بضم التاء وكسر الضاد لالتقاء الساكنين، وسكون الضاد وسكون النون المثقلة، وقد فصلوا أيضاً بين النونات بألف فقالوا: لا تعرضنان ولم ترد في الرواية.
          (أريه بعض أهله) الرائي هو العباس، ذكره السهيلي.
          (بشر حيبة) بكسر الحاء كذا للمستملي والحموي، ولغيرهما بالخاء المعجمة، قاله القاضي، والحيبة والحوبة الهم والحزن، وقال أبو الفرج: من قاله بالمعجمة فقد صحف.
          وقال السفاقسي: الذي ضبطناه بالخاء المعجمة أي: خاب من كل خير ووصل إلى كل شر، قال: ووجدته في الأصل الصحيح بكسر الحاء المهملة وفسر فيه بأنه سوء الحال، قال: وهو المعروف من كلام العرب ووجدته في ((المشارق)) بشر حمية بالحاء والميم، وقال: كذا للمستملي والحموي، ومعناه سوء الحال، ولا أظن هذا إلا تصحيف حيبة، وهو كما قال.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: ولهذا ذكر الفقهاء خصائصه ◙ في أول النكاح)).
[2] في هامش المخطوط: (({وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ})).