مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الأكفاء في الدين

          ░15▒ بابُ الأكفاء في الدين
          فيه أربعة أحاديث:
          1- حديث أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة... إلى آخره.
          2- حديث عائشة قالت: دخل رسول الله صلعم على ضباعة بنت الزبير فقال: ((لعلك)) الحديث.
          3- حديث أبي هريرة عن النبي صلعم قال: ((تنكح المرأة لأربع)).. الحديث.
          4- حديث سهل قال: مر رجل على رسول الله... الحديث.
          والحديث الأول سلف في باب مجرد عقب باب: شهود الملائكة بدراً من حديث عقيل، عن الزهري به. وأخرجه (د) من حديث يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة وأم سلمة.
          قال الحميدي في ((جمعه)): وأخرجه البرقاني في كتابه بطوله من حديث أبي اليمان بسنده بزيادة: فكيف ترى [يا] رسول الله؟ قال: ((أرضعيه)) فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة تأمر بنات أختها وأخيها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات فيدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلعم أن يدخلن عليهن بتلك الرضاعة أحداً من الناس حتى يكون في المهد، وقلن لعائشة: والله ما ندري لعله رخصة لسالم دون الناس.
          وفي (م) من حديث القاسم، عن عائشة: جاءت سهلة إلى النبي صلعم فقالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم، فقال: ((أرضعيه)) فقالت: وكيف / أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم وقال: ((قد علمت أنه رجل كبير)).
          وفي رواية ابن أبي مليكة: ((أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في وجه أبي حذيفة)) فرجعت وقالت: قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. ولمالك: ((أرضعيه خمس رضعات)).
          قولها: (وأنكحه ابنة أخيه هند) وفي ((الموطأ)): أن اسمها فاطمة بنت الوليد، ووهم من ضبطه بضم الهمزة والتاء.
          قوله: (وهو مولى لامرأة من الأنصار) هي سلمى، وقيل: بثينة بنت يعار، وقال أبو طوالة: عمرة بنت يعار فيما ذكره أبو عمر.
          فصل
          اختلف العلماء من هم، فقال مالك: الأكفاء في الدين دون غيرهم، والمسلمون بعضهم لبعض أكفاء، ويجوز أن يتزوج العربي والمولى القرشية.
          روي ذلك عن عمر قال: لست أبالي أي المسلمين نكحت وأيهم أنكحت.
          وقال أبو حنيفة: قريش كلهم أكفاء بعضهم لبعض، والعرب كلهم أكفاء بعضهم لبعض، ولا يكون أحد من العرب كفؤاً لقريش ولا أحد من الموالي كفؤاً للعرب، ولا يكون كفؤاً من لا يجد المهر والنفقة.
          وقال الشافعي: ليس نكاح غير الأكفاء بمحرم فأرده بكل حال، وإنما هو تقصير بالمزوجة والأولياء، فإن تزوجت غير كفؤ فإن رضيت به وجميع الأولياء جاز، ويكون حقًّا لهم تركوه، وإن رضيت به وجميع الأولياء إلا واحداً منهم فله فسخه.
          وكان الثوري يرى التفريق إذا نكح مَولى عربية، ويشدد فيه.
          وقال أحمد: يفرق بينهما. واحتج الذين جعلوا الكفاءة في النسب والمال، فقالوا: العار به يدخل على الأولياء والمناسبين؛ لأن حق الكفاءة رفع العار عنها وعنهم. قالوا: وقد روي عن ابن عباس أنه قال: قريش بعضهم لبعض كفؤ إلا الحاكة والحجامين. ورواه نافع عن مولاه مرفوعاً.
          واحتج أهل المقالة الأولى بحديث عائشة الذي في الباب أن أبا حذيفة تبنى سالماً وأنكحه ابنة أخيه، وهي سيدة أيامى قريش، وسالم مولى لامرأة من الأنصار، وتزوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم رسول الله المقداد وهو عربي حليف للأسود بن عبد يغوث، تبناه ونسب إليه، وهو وجه إيراد (خ) له في الباب، حيث قال في آخره: ((وكانت تحت المقداد بن الأسود)).
          واحتجوا بحديث الباب: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) وهو وجه إيراد (خ) له هنا، فجعل العمدة ذات الدين، فينبغي أن يكون العمدة في الرجل مثل ذلك. ألا ترى قوله في حديث سهل حين فضل الفقير الصالح على الغني، وجعله خيراً من ملء الأرض منه. واحتجوا بقوله ◙ لبني بياضة: ((أنكحوا أبا هند)) فقالوا: يا رسول الله، أتزوج سادتنا من موالينا؟ فنزلت {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}الآية [الحجرات:13] رواه (د).
          وأجاب بعضهم عن حديث سالم وغيره أن ذلك قبل أن يدعى إلى أبويهما فإنهم كانوا يرون أن من تبنى أحداً فهو ابنه، وآخر حديث سالم صريح فيه.
          وقال المهلب: الأكفاء في الدين هم المتشاكلون، وإن كان في النسب، فقد نسخ الله ما كانت تحكم به العرب في الجاهلية من شرف الأنساب بشرف الصلاح والدين، فقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى}الآية [الحجرات:13]، وقد نزع بهذه الآية مالك بن أنس.
          وأما دعوى دخول العار عليها وعلى الأولياء فيقال: مع الدين لا عار، فمعه ما عمل كل شيء، وفي النسب مع عدم الدين كل عار، وقد تزوج بلال امرأة قرشية وأسامة بن زيد فاطمة بنت قيس(1) وهي قرشية، وقد كان عزم عمر على تزويج ابنته من سلمان الفارسي. ولولا أن ذلك جائز ما أراده عمر ولا هم به؛ لأنه لا يدخل العار على نفسه وعشيرته.
          وحديث أبي هريرة: ((تنكح المرأة لأربع)) إلى آخره. هو إخبار عن عادة الناس في ذلك.
          قال المهلب: وهو / دال على أن للزوج الاستمتاع بمالها، فإنه يقصد لذلك، فإن طابت به نفساً فهو له حلال، وإن منعته فإنما له من ذلك بقدر ما بذل من الصداق.
          فائدة:
          زاد الزمخشري في ((ربيعه)) في الحديث مرفوعاً: ((فمن نكح للجمال عاقبه الله بالغيرة، ومن نكح للنسب عاقبه الله بالذل، فلا يخرج من الدنيا حتى يكثر حبسه ويخرق ثيابه ويشج وجهه، ومن نكح للمال لم يخرج من الدنيا حتى يبتليه الله بمالها، ثم يقسو قلبها فلا تعطيه شيئاً، ومن نكح للدين أعطاه الله المال والجمال والنسب وخير الدنيا والآخرة)).
          وترب معناه: افتقر، وقيل: استغنى ولم يدع بالفقر، وإنما هي كلمة جرت على ألسنتهم من غير قصد لمعناها كعقرى حلقى ونحوه. وسيأتي في الأدب.
          و(حري) بالحاء معناه: حقيق.
          فصل
          يتعلق بالحديث الأول. ذكر (خ) قريباً في باب: الإرضاع بعد حولين، حديث عائشة السالف في الشهادات: ((فإنما الرضاعة من المجاعة)). واتفق جمهور العلماء على أن رضاع الكبير لا يحرم.
          وفيه حديث في الدارقطني من حديث أبي هريرة، وفي آخره: ((لا رضاع بعد فطام، إنما يحرم من الرضاع ما في المهد)).
          وروى هشام، بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة مرفوعاً: ((لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام)). ولابن عدي عن ابن عباس مرفوعاً: ((لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين))، وشذ الليث وأهل الظاهر فقالوا: يحرم. وحكاه عبد الرزاق، عن علي بن أبي طالب وعطاء؛ ذهاباً إلى حديث سالم.
          وجوابه إما منسوخ، أو خاص، كما قالت أمهات المؤمنين، كما نبه عليه ابن بطال وغيره. فإن وقع ذلك لم يلزم بها حكم لا في النكاح ولا في الحجاب.
          وقال داود: يرفع تحريم الحجاب لا غير.
          وقال ابن المواز: وما حكاه عن عائشة فيه نظر؛ لأن نص حديث ((الموطأ)) عنها أنها كانت تأخذ بذلك في الحجاب خاصة، وقد انعقد الإجماع على بطلان التحريم برضاعة الكسر فإن الخلاف بان أولا ثم انقطع به.
          وجمهور العلماء كما قال ابن بطال أن ما كان بعد الحولين لا يحرم. روي عن ابن مسعود وابن عباس، وعامر الشعبي وابن شبرمة، وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وهو قول مالك في ((الموطأ)).
          وفيه قول آخر: روى الوليد بن مسلم، عن مالك: ما كان بعد الحولين شهراً وشهرين يحرم.
          وقول آخر حكى عن أبي حنيفة: ما كان بعدها بستة أشهر فإنه يحرم.
          وقول آخر: قال زفر بن الهذيل: ما دام يجتزئ باللبن ولم يطعم، وإن أتى عليه ثلاث سنين فهو رضاع.


[1] في المخطوط: ((قريش)) ولعل الصواب ما أثبتناه.