مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يكره من ضرب النساء

          ░93▒ باب ما يكره من ضرب النساء
          ثم ساق حديث عبد الله بن زمعة عن النبي صلعم: ((لا يجلد أحدكم امرأته)).. الحديث.
          وفي رواية له: ((لعله يعاتبها)). كذا في الأصول وقوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] إلى آخره.
          وفي كتاب ابن بطال وابن التين، وقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} / أي: ضرباً غير مبرح، وكلاهما صحيح، والمبرح بكسر الراء: الشديد الشاق، ونقل ابن بطال، عن قتادة: غير شائن. وعن الحسن: غير مؤثر.
          وفيه: جواز الضرب غير المبرح.
          قوله: (ثم يجامعها) لم ينهه عن ذلك، إنما أخبر أنه قد يبدو له فيجامعها فيأتيها وهي كارهة، فلا يجد منها الود الذي يكون عند الوطء.
          قال بعض أهل العراق: أمر الله تعالى بهجرهن وضربهن؛ تذليلاً منه للنساء وتصغيراً لهن على إيذاء بعولتهن، ولم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحاً إلا في ذلك، وفي الحدود العظام، فساوى معصيتهن لأزواجهن بمعصية أهل الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة، وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتماناً من الله للأزواج على النساء، وإنما يكره من ضرب النساء التعدي فيه والإسراف، كما قاله المهلب قال: وقد بين الشارع ذلك فقال: ((ضرب العبد)) من أجل الرق فوق ضرب الحر؛ لتباين حالتيهم؛ ولأن ضرب النساء إنما جوز من أجل امتناعها على زوجها من المباضعة.
          واختلف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس يوجب أنه إذا جاز في المباضعة جاز في الخدمة(1) الواجبة للزوج عليها بالمعروف.
          وأما ابن حزم فقال: لا يلزمها أن تخدم زوجها في شيء أصلاً: لا في عجين، ولا طبيخ، ولا كنس، ولا غير ذلك. ثم نقل عن أبي ثور أنه قال: عليها أن تخدمه في كل شيء. ويمكن أن يحتج له بالحديث الصحيح أن فاطمة شكت إلى رسول الله ما تجد من الرحى، وبقول أسماء: كنت أخدم الزبير ولا حجة فيهما؛ لأنه ليس فيهما أنه ◙ أمرهما، إنما كانتا متبرعتين، وسلف في باب موعظة الرجل ابنته اختلاف العلماء في ضرب النساء، وسيأتي قريباً.
          قوله: (ثم يعانقها) جاء في لفظ: ((ثم لعله يعانقها))، في (ت) صحيحاً: ((ثم لعله أن يضاجعها من آخر يومه)).
          قوله: (جلد العبد) جاء في الإسماعيلي: ((جلد البعير)) أو قال: ((جلد العبد)).
          وعنى الشارع بالفراش في الحديث الصحيح: ((ولا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه)) ما افترش في البيوت لا فراش المضجع.
          وفي قوله: ((جلد العبد)) بيان أن النكاح رق ويد وملك وحكم كنوع من أنواع العبودية، كما نبه عليه ابن العربي، ولكن فيه فضل الاشتراك في المنفعة واستحقاق العوض عليها؛ ولذلك أذن الرب تعالى في تأديب الزوج للمرأة؛ بفضل القوامية عليها فيما ينبغي، كما يجب ويجوز من غير تعد ولا حيف، ولا عمل بحكم الغضب، ولا في سبيل التشفي والانتقام هذا الضرب ضرب تأديب، وفي عدده عندنا خلاف، هل هو دون الأربعين، أو دون العشرين؟ وبعضهم قيل بدون العشر، للحديث الصحيح: ((لا يجلد فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى))، وإنما يضرب إذا علم أنه ينجع، وإلا فلا فائدة فيه؛ لأن من لا يردعه الوعيد والتهديد ولا السوط الشديد فلا حاجة إلى ارتكاب ما يؤدي: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ} [الروم:30].
          وراوي هذا الحديث عبد الله بن زمعة، هو أبو الأسود بن المطلب الأسدي ابن أخت أم سلمة، أحد الأشراف، كان يأذن على رسول الله وعنه: عروة وأبو بكر بن عبد الرحمن، وهو من الأفراد.


[1] في هامش المخطوط: ((فيه نظر)).