مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله

          ░72▒ باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله
          ثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك... إلى آخره هذا الحديث أخرجه هكذا موقوفاً على أبي هريرة وأخرجه (م) أيضاً كذلك، ومرة مرفوعاً.
          قوله: (فقد عصى الله ورسوله) يقتضي رفعه، وقد أخرجه أهل التصنيف في المسند كما أخرجوا حديث ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أنه قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وحديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة أنه رأى رجلاً خارجاً من المسجد بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم، ومثل هذا لا يكون رأياً، وإنما كان توقيفاً، نبه على ذلك ابن بطال.
          ومثله حديث عمار: ((من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم))، وكذا قال ابن عبد البر: ظاهره أنه موقوف من رواية الجمهور من أصحاب مالك، إلا أن قوله فيه: (فقد عصى الله ورسوله). يقتضي رفعه عندهم، وقد رواه روح وابن القاسم عن مالك فقال: قال رسول الله صلعم: ((بئس الطعام طعام الوليمة)) الحديث.
          قوله: (ومن ترك الدعوة) يريد والله أعلم الإجابة.
          قوله: (فقد عصى الله ورسوله) هذا وعيد شديد والعصيان لا يتعلق إلا على ترك واجب وكأنه لما ترى بغير الأمر عما كان عليه فأمر بها طاعة لله ورسوله.
          ومن شروط الوجوب أن يعم بدعوته، فإن خص الأغنياء، فالإجابة غير واجبة عندنا، وبه صرح ابن حبيب من المالكية، ولا خلاف بين الصحابة والتابعين في وجوب / الإجابة إلى دعوة الوليمة كما قاله ابن بطال إلا ما روي عن ابن مسعود أنه قال: نهينا أن نجيب من يدعو الأغنياء ويترك الفقراء. وقد دعا ابن عمر في دعوته الأغنياء والفقراء، فجاءت قريش والمساكين معهم، فقال ابن عمر للمساكين: ها هنا اجلسوا، لا تفسدوا عليهم ثيابهم، فإنا سنطعمكم مما تأكلون.
          قال ابن حبيب: ومن فارق السنة في وليمة فلا دعوة له، ولا معصية في ترك إجابته. وقد حدثني ابن المغيرة أنه سمع سفيان الثوري يقول: إنما تفسير إجابة الدعوة إذا دعاك من لا يفسد عليك دينك ولا قلبك. ثم روى عن ابن مسعود قال: إذا اتخذت النجد، وخص الغني، وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب.
          وعن أبي هريرة أنه كان يقول: أنتم العاصون في الدعوة، تدعون من لا يأتي وتدعون من يأتيكم. يعني: من لا يأتي: الأغنياء، ومن يأتيهم: الفقراء، وليس يحرم الطعام بدعوة الأغنياء، وإنما المحرم فعل صاحب الطعام فيه إذا تعمد.
          وإذا حضر الوليمة فالأولى أن يبتدئ بالأكل منها من أمر السائح بالبداءة، روى أبو الشيخ من حديث ثابت بن ثوبان قال: أتي رسول الله بطعام فقال: ((يؤم الناس في الطعام الأمير، أو خيرهم)).
          باب من دُعي إلى كراع
          ثنا عبدان واسمه: عبد الله بن عثمان بن جبلة عن أبي حمزة بالحاء والزاي واسمه محمد بن ميمون السكري المروزي، عن الأعمش واسمه: سلمان بن مهران الكاهلي عن أبي حازم واسمه سلمان الأشجعي، مولى عزة، جالس أبا هريرة خمس سنين، ثقة، توفي في حدود المائة عن أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((لو دعيت إلى كراع لأجبت)) الحديث.
          أخرجه في الهبة عن محمد بن بشار، عن ابن أبي عدي، عن سليمان به.
          وهو راجع إلى التواضع وترك التكبر، والائتلاف لقبول اليسير، والإجابة إليه؛ لأن الهدية تؤكد المحبة، وكذلك الدعوة إلى الطعام، لا يبعث على ذلك إلا محبة الداعي وسروره بأكل الدعوة إليه من طعامه، والتحبب إليه بالمؤاكلة، وتوكيد الذمام معه بها؛ فكذلك على قبول التافه من الهدية، وإجابة النزر من الطعام.
          قال والدي ⌂:
          (باب الوليمة) وهي الطعام المتخذ للعرس قالوا: الضيافات ثمانية أنواع: الوليمة للعرس والخرس بضم المعجمة وسكون الراء وبالمهملة للولادة، والأعذار بكسر الهمزة وبالمهملة ثم المعجمة للختان، والوكيرة بفتح الواو للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر من النقع وهو الغبار، والوخيمة بكسر المعجمة للمصيبة، والعقيقة لتسمية الولد يوم السابع من ولادته، والمأدبة بضم الدال وفتحها الطعام المتخذ للضيافة بلا سبب.
          قوله: (حق) أي: ثابت في الشرع أو واجب على اختلاف فيها في أنها سنة أو واجبة، والأصح أنها سنة.
          قوله: (أمهاتي) أي: أمي وأخواتها، و(يواظبنني) بالمعجمة والموحدة؛ أي: يأمرنني بالمواظبة أي: المداومة على خدمة رسول الله صلعم قيل: هذا لا يصح لغة؛ لأن المواظبة لازم وفي بعضها: يواطئنني من المواطأة بالمهملة وهي الموافقة، وروى الإسماعيلي من التوطئة يقال وطأت نفسي على الشيء إذا رغبته وحرضت عليه.
          قوله: (مبتنى) أي: زمان ابتناء رسول الله صلعم (بزينب بنت جحش) بفتح الجيم وإسكان المهملة وبالمعجمة وقت دخوله عليها وأنزل آية الحجاب، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب:53] / تقدم آنفاً.
          قوله: (علي) أي: ابن المديني، و(سفيان) أي: ابن عيينة، و(حميد) بالضم أي: الطويل، و(سعد بن الربيع) بفتح الراء الأنصاري، و(شعيب) ابن الحبحاب بفتح المهملتين وإسكان الموحدة الأولى أبو صالح البصري وقد مر وجوه في جعل العتق الصداق وأصحها أنه أعتقها تبرعاً ثم تزوجها برضاها بلا صداق.
          قوله: (زهير) مصغر الزهر بالزاي ثم الراء ابن معاوية الجعفي، و(بيان) بفتح الموحدة وخفة التحتانية وبالنون ابن بشر بالموحدة المكسورة الأحمسي، و(بامرأة) أي: بزينب، ولعل السر في أنه صلعم أولم عليها أكثر كان شكراً لنعمة الله تعالى في أنه زوجه إياها بالوحي إذا قال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37].
          قوله: (منصور) هو ابن عبد الرحمن التيمي روى عنه الثوري وابن عيينة، و(محمد بن يوسف) الفريابي بالفاء والراء والتحتانية والموحدة سمع الثوري، و(محمد بن يوسف) البيكندي بالموحدة والتحتانية والكاف والنون والمهملة سمع ابن عيينة فالمقام يحتملهما ولا قدح في الإسناد بهذا الالتباس؛ لأن كلا منهما بشرط (خ)، و(صفية) بفتح المهملة بنت شيبة بفتح المعجمة وإسكان التحتانية، ابن عثمان القرشي الحجبي وهي تابعية فالحديث مرسل، وفي بعضها زيادة عن عائشة فيصير سنداً متصلاً، و(لم يوقت) أي: لم يُعين مدة للوليمة.
          النووي: لو كانت الدعوة ثلاثة أيام فالأول تجب الإجابة فيه، والثاني تستحب فيه، والثالث تكره واستحب المالكية للموسر كونها أسبوعاً.
          قوله: (فليأتها) أي: فليحضرها والأصح أنه أمر إيجاب، و(منصور) هو ابن المعتمر، و(أبو وائل) بالهمزة بعد الألف هو شقيق بفتح المعجمة وكسر القاف، و(العاني) هو بالمهملة والنون الأسير.
          فإن قلت: الداعي هو أعم من أن يكون إلى الوليمة أو إلى غيرها؟ قلت: قال الجمهور لا تجب الإجابة إلى غير الوليمة بل تستحب والداعي الذي أمر بإجابته صاحب الوليمة خاصة لما فيه من الإعلان بالنكاح وإظهار أمره.
          فإن قلت: فالأمر مستعمل بإطلاق واحد في الإيجاب والندب وذلك ممنوع عند الأصوليين؟ قلت: جوزه الشافعي، وأما عند غيره فيحمل على عموم المجاز.
          قوله: (الحسن بن الربيع) بفتح الراء البوراني بضم الموحدة وبالواو وبالراء وبالنون، و(أبو الأحوص) بالمهملتين وبالواو سلام الحنفي، و(الأشعث) ابن أبي الشعثاء بالمعجمة ثم المهملة ثم المثلثة في المذكر والمؤنث، و(معاوية بن سويد) بضم المهملة وفتح الواو وإسكان التحتانية، و(البراء) بتخفيف الراء وبالمد (ابن عازب) بالمهملة والزاي نزل الكوفة فالرجال كلهم كوفيون.
          قوله: (تشميت) بالمعجمة وهو أفصح اللغتين وبالمهملة وهو الدعاء بالخير والبركة، و(إبرار القسم) هو تصديق من أقسم عليك وهو أن تفعل ما سأله يقال: أبر القسم إذا صدقه وقيل: المراد أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا وأنت تستطيع فعله فافعل لئلا يحنث.
          قوله: (المياثر) جمع الميثرة بالتحتانية والمثلثة والراء، وهي فراش صغير من الحرير محشو بالقطن يجعله الراكب تحته، و(القسية) بفتح القاف وبالمهملة والتحتانية الشديدتين ضرب من ثياب كتان مخلوط بحرير ينسب إلى قرية بالديار المصرية، وقيل: هو القز وهو الرديء من الحرير أبدلت الزاي سيناً.
          فإن قلت: المنهي عنها ست لا سبع؟ قلت: السابع هو الحرير، وسيجيء صريحاً في كتاب اللباس وتقدم في أول الجنائز بلطائف كثيرة.
          و(أبو عوانة) بتخفيف الواو / وبالنون وضاح، و(الشيباني) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية وبالموحدة وبالنون أبو إسحاق سليمان.
          فإن قلت: ما معنى المتابعة في إفشاء السلام؟ قلت: غيرهما روى الحديث مبدلاً إفشاء السلام برد السلام كما في اللباس والجنائز.
          قوله: (وأبو حازم) بالمهملة والزاي اسمه: سلمة بن دينار، وفي بعضها عبد العزيز بن أبي حازم عن سهل وهو سهو إذ لا بد من أن يكون بينهما أبوه أو رجل آخر.
          و(أبو أسيد) مصغر الأسد وقيل: بفتح الهمزة وكسر المهملة والصواب الأول وهو مالك بن ربيعة الساعدي بالمهملات ولفظ (الخادم) يطلق على الذكر والأنثى وكان ذلك قبل نزول الحجاب، و(أنقعت) بالنون والقاف والمهملة، و(لما أكل) أي: الطعام سقته بعد ذلك.
          قوله: (الأعرج) اعلم أن الزهري يروي عن رجلين كلاهما أعرج واسمهما عبد الرحمن أحدهما عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي والثاني: عبد الرحمن بن سعد المخزومي، والظاهر أن هذا هو الأول لا الثاني، وفي رجال (خ) أعرج آخر ثالث يروي أيضاً عن أبي هريرة اسمه ثابت بن عياض القرشي، ويقال له: الأحنف.
          وروى (م) في ((صحيحه)) هذا الحديث عن مالك عن ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة وأيضاً عن سفيان عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة بمثله وروى عن زياد بالتحتانية ابن سعد عن ثابت الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلعم قال: ((شر الطعام طعام الوليمة يمنع من يأتيها، ويدعى لها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)).
          وقال النووي: ذكر (م) هذا الحديث موقوفاً ومرفوعاً إلى رسول الله صلعم ومعناه الإخبار بما يقع بعده من مراعاة الأغنياء وإيثارهم بالطيب وتقديمهم ونحوه.
          قوله: (من ترك الدعوة) فإن قلت: ما معناه من تركها بأن لم يدع أو تركها بأن لم يجب قلت: الثاني بقرينة الرواية الصحيحة المذكورة آنفاً وهي من لم يجب الدعوة.
          فإن قلت: أوله مرغب عن حضور الوليمة بل محرم وآخره مرغب فيه بل موجب قلت: الإجابة لا تستلزم الأكل فيحضر ولا يأكل والترغيب في الإجابة والتحذير عن الأكل.
          فإن قلت: ما معنى قوله شرًّا مطلقاً وقد تكون بعض الأطعمة شرًّا منها قلت: المراد شر أطعمة الولائم طعام وليمة يدعى الأغنياء ويترك الفقراء.
          القاضي البيضاوي: أي من شر الطعام كما يقال شر الناس من أكل وحده أي: من شرهم وإنما سماه شرًّا لما ذكر عقيبه. فكأنه قال: شر الطعام طعام الوليمة التي شأنها ذلك.
          الطيبي: والتعريف في الوليمة للعهد الخارجي إذ كان من عادتهم دعوة الأغنياء وترك فقرائهم.
          و(يدعى) إلى آخره استئناف بيان لكونها شر الطعام فلا يحتاج إلى تقدير من لأن الرياء شرك خفي، و(من ترك الدعوة) حال والعامل يدعى يعني يدعى الأغنياء لها، والحال أن الإجابة واجبة فيجيب المدعو ويأكل شر الطعام.
          قوله: (أبو حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون السكري، و(أبو حازم) اسمه سلام الأشجعي وهذا غير أبي حازم المتقدم آنفاً، إذ اسمه سلمة بن دينار وكلاهما تابعيان فافرق بينهما.
          قوله: (كراع) المراد به عند الجمهور كراع الشاة وقيل: هو كراع الغميم بفتح المعجمة، وهو موضع على مراحل من المدينة من جهة مكة، و(الذراع) / إنما هو في يد الغنم وهو أفضل من الكراع في الرجل وفي الأمثال: أعطى العبد كراعاً وطلب ذراعاً.
          الزركشي:
          (أبو أسيد) بضم الهمزة على التصغير مالك بن ربيعة، قيل: إنه آخر من مات من البدريين.
          (شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء) جملة: ((يدعى)) في موضع الحال لطعام الوليمة فلو دعي عاماً لم يكن الطعام شرًّا.
          (الدعوة) بفتح الدال مصدر بمعنى الدعاء إلى الطعام، وبعض العرب تكسر الدال.
          (لو دعيت إلى كراع) أي: إلى شيء حقير، وهو ما دون الكعب من الدواب.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (وعن المياثر) جمع ميثرة سروج تتخذ من الديباج وقيل: جلود السباع وقيل: أغشية السروج من الحرير.
          قوله: (والقسية) ثياب يؤتى بها من الشام أو حصر مضلعة فيها حرير فيها تصاوير أمثال الأترج.