مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يحل من النساء وما يحرم

          ░24▒ بابُ ما يحل من النساء وما يحرم... إلى آخره
          الرواية ثابتة عن ابن عباس كما قال ابن بطال أن السبع المحرمات بالنسب المذكورات في الآية إلى قوله: {الأُخْتِ} [النساء:23]، والسبع المحرمات بالصهر والرضاع الأمهات من الرضاعة والأخوات منها وأمهات النساء والربائب وحلائل الأبناء والجمع بين الأختين، والسابعة: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [النساء:22] والأمهات: المراد به الوالدات ومن فوقهن من الجدات من قبل الأمهات والآباء، والبنات: المراد بنات الأصلاب ومن أسفل منهن من بنات الأبناء والبنات وإن سفلن، والأخوات: المراد الأشقاء وغيرهن من الآباء أو الأمهات، والعمات: المراد أخوات الأجداد من كل واحدة من الجهات الثلاث وإن علون، والمراد بالخالات: أخوات الأمهات الوالدات لآبائهن وأمهاتهن أو لآبائهن أو لأمهاتهن، وأخوات الجدات كأخوات الأمهات في الحرمة؛ لأنه إذا كان لهن حكم الأمهات كان أيضاً لأخواتهن حكم أخوات الأمهات، وبنات الأخ: المراد بنات الأخ من الأب والأم، أو من الأب أو من الأم.
          وبنات بنيهم وبنات بناتهن وإن سفلن، وبنات الأخت: كذلك أيضا من أي جهة كن وأولاد أولادهن وإن سفلن {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء:23] هو على الأم المرضعة ومن فوقها من أمهاتها وإن بعدن، وقام ذلك مقام الوالدة ومقام أمهاتها، وكذلك حكم الأخوات من الرضاعة حكم اللواتي من النسب، وتحرم زوجة الرجل على ابنه، دخل بها أو لم يدخل، وعلى أجداده. وعلى ولد ولده الذكور والإناث، ولا تحل لبني بنيه، ولا لبني بناته ما تناسلوا؛ لقوله تعالى: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء:23].
          وقوله: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [النساء:22] ولم يذكر تعالى دخولاً، فصارتا محرمتين بالعقد والملك، والرضاع في ذلك بمنزلة النسب، والمراد بـ{مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} آباء الآباء وآباء الأمهات ومن فوقهم من الأجداد، وكل هذا من المحكم المتفق على تأويله، وغير جائز نكاح واحدة منهن بإجماع إلا أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن أزواجهن، فإن بعض السلف اختلفوا إذا بانت الابنة قبل الدخول بها هل تحرم أمها أم لا، فذهب جمهورهم على التحريم، وأنها حرام بالعقد على البنت، ولا تحرم البنت إلا بالدخول بالأم، وبه قال جميع أهل الفتوى بالأمصار.
          وقالت طائفة: الأم والربيبة سواء لا تحرم منهما واحدة إلا بالدخول بالأخرى، والصحيح عن ابن عباس مثل قول الجماعة.
          واختلف أهل التأويل في قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء} [النساء:24] فقالت طائفة: المحصنات في هذه الآية كل أمة ذات زوج من المسلمين والمشركين فهن حرام على غير أزواجهن، إلا أن تكون مملوكة اشتراها مشتر من مولاها فتحل له.
          وقالت أخرى: المحصنات في الآية ذوات الأزواج المسبيات منهن بملك اليمين هن السبايا التي فرق بينهن وبين أزواجهن السبي فحللن بما صرن له بملك اليمين من غير طلاق كان من زوجها لها.
          وفي (م) من حديث أبي سعيد أن نبي الله صلعم بعث يوم حنين سرية فأصابوا حيًّا من العرب يوم أوطاس، منهم نساء لهن أزواج، فكان ناس من الصحابة تأثموا من غشيانهن من أجل أزواجهن فنزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] فهن حلال لكم، إذا انقضت عدتهن.
          قوله: (وقال لنا أحمد..) إلى آخره. كأنه أخذه عنه مذاكرة. وأخرجه البيهقي عن أبي عمرو الكاتب، بسنده عن يحيى بن سعيد به.
          قوله: (وجمع عبد الله بن جعفر بين بنت علي وامرأة علي) أخرجه أبو عبيد، بسنده عن مولى لبني هاشم أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب تزوج بنت علي بن أبي طالب، وتزوج معها ليلى بنت مسعود امرأة علي فكانتا عنده جميعاً / ، وفي حديث ابن لهيعة بسنده عن غير واحد أن عبد الله بن جعفر جمع بين امرأة علي وابنته ثم ماتت بنت علي فتزوج عليها بنتاً له أخرى.
          قال: وثنا قبيصة بسنده عن عبد الرحمن بن مهران قال: جمع ابن جعفر بين بنت علي وامرأته في ليلة، وعند ابن سعد من حديث ابن أبي ذئب حدثني عبد الرحمن بن مهران أن جعفراً تزوج بنت علي وتزوج بعدها أم كلثوم بنت علي، بنت فاطمة.
          قال ابن بطال: وإنما فعل ذلك؛ لأن الابنة كانت من غير تلك المرأة، وهذا جائز عند الأربعة والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور؛ وليس ذلك بحرام أن يتزوج الرجل المرأة وابنتها، لا في كتاب الله ولا سنة [رسوله]، بل هما داخلان في جملة قوله: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء:24] وقوله: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} [النساء:3] وقال ابن أبي ليلى: لا يجوز هذا النكاح، وكرهه الحسن وعكرمة.
          قوله: (وجمع الحسن..) إلى آخره. أخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح بالنية بسنده عن عمرو بن دينار أن الحسن بن محمد أخبره أن حسن بن حسن بن علي بنى في ليلة واحدة ببنت محمد بن علي وببنت عمر بن علي فجمع بين ابنتي العم، قال ابن بطال: وكرهه مالك وليس بحرام وهو قول عطاء وجابر بن زيد وقالا: إنما كره ذلك للقطيعة وفساد ما بينهما ورخص فيه أكثر العلماء.
          قوله: (وقال ابن سيرين: لا بأس به..) إلى آخره.
          أخرجه أبو عبيد بن سلام، بسنده عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأساً وأجازه أكثر أهل العلم وفعل ذلك عبد الله بن صفوان، وأباحه ابن سيرين وسليمان بن يسار والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق والكوفيون وأبو ثور وأبو عبيد، وقال مالك: لا أعلم ذلك حراماً، وبه أقول.
          قوله: (وقال ابن عباس: إذا زنا بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته) هذا أخرجه ابن أبي شيبة بسنده عن عطاء، وبسنده عن ابن عباس به، وعن الزهري كذلك، قال: لا يحرم حرام حلالاً. وكذا قاله ابن أشوع، وأكثر العلماء على الإباحة كما نقله ابن بطال، وإنما حرم الله الجمع بين الأختين بالنكاح خاصة، لا بالزنا، ألا ترى أنه يجوز نكاح واحدة بعد أخرى، من الأختين، ولا يجوز ذلك في المرأة وابنتها من غيره.
          والكوفيون على أنه إذا زنى بالأم حرم عليه بنتها، وكذا عكسه، وهو قول الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق أنه تحرم عليه أمها وبنتها، وهي رواية ابن القاسم في ((المدونة)) وقال: الحرام يحرم الحلال، وخالف فيه ابن عباس وسعيد بن المسيب وعروة وربيعة والليث، فقالا: الحرام لا يحرم الحلال، وهو قول في ((الموطأ))، وبه قال الشافعي وأبو ثور.
          ورخص أكثر العلماء في تزويج المرأة التي زنى بها، وشبه ابن عباس ذلك بالذي يسرق تمر النخلة فيأكلها ثم يشتريها وكره ذلك ابن مسعود وعائشة والبراء.
          قوله: (ويروى عن يحيى الكندي..) إلى آخره، وفي آخره: ويحيى هذا غير معروف ولم يتابع عليه في كتاب ((الثقات)) لابن حبان و((الجرح والتعديل)) لابن أبي حاتم وتاريخ (خ) يحيى بن قيس الكندي روى عن شريح، روى عنه أبو عوانة وشريك والثوري، فيجوز أن يكون هذا.
          قوله: (ويذكر عن أبي نصر..) إلى آخره، وفي رواية: عن أبي النصر أو نصر، أبو نصر هذا عرفه أبو زرعة بأنه أسدي، وأنه ثقة، وروي عن ابن عباس أنه سأله عن قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2] وهو ظاهر في سماعه منه، لا كما قال (خ)، أنه لا يعرف سماعه منه.
          قوله: (ويروى عن عمران) إلى آخره، التعليق عن عمران أخرجه ابن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، بسنده عن الحسن عنه. والتعليق عن جابر والحسن أخرجه أيضاً عن أبي أسامة.
          والتعليق عن بعض أهل / العراق أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً عن حفص، بسنده عن ابن مسعود قال: لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها، وعن شعبة: سألت الحكم وحماداً عن رجل زنى بأم امرأته؟ فقالا: أحب إلينا أن يفارقها.
          قال ابن المنذر: وهو قول عطاء والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، وكذلك إن وطئ الابنة والأم زوجته حرمت عليه، وقالت طائفة: إذا غشي أم امرأته أو ابنة امرأته لم تحرم عليه زوجته كذلك، قال ابن عباس، وبه قال الحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر والشافعي ومالك وأبو ثور وبه نقول؛ وذلك أن الصداق لما ارتفع في الزنا ووجوب العدة والميراث ارتفع أن يحكم له بحكم النكاح الجائز.
          وقال ابن بطال: إنما تحريم النكاح باللواط فإن أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم لا يحرمون النكاح به، وقال الثوري: إذا لعب بالصبي حرمت عليه أمه، وهو قول أحمد قال: إذا تلوط بابن امرأته أو أبيها أو أخيها حرمت عليه امرأته، وقال الأوزاعي: إذا [لاط] غلام بغلام وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوجها؛ لأنها بنت من دخل هو به وهو قول أحمد.
          (قوله: وجوزه ابن المسيب..) إلى آخره، التعليق عن سعيد بن المسيب رواه ابن أبي شيبة، عن ابن علية عن يزيد الرشك عنه، قال الداودي: إنما حرم الحسن وغيره أخت المرأة إذا زنى بأختها تنزيهاً وتوقياً، وإذا قلنا بالتحريم فيمن زنى بابنة امرأة وأمها وقلنا: تحرم عليه امرأته هل ينزه فيؤمر بذلك أو يخير عليه؟ فيه تردد، عند المالكية.
          وقول أبي هريرة: (لا يحرم عليه حتى تلزق بالأرض) هو بفتح الزاي.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (عبيد) مصغر العبد ابن عويم المكي، و(عقبة) بضم المهملة وإسكان القاف وبالموحدة، ابن الحارث القرشي، و(فلانة) هي بنت أبي إهاب بكسر الهمزة التميمي، و(أعرض عنه) وفي بعضها عني، و(كيف بها) أي: [كيف] يجتمع بها، و(دعها عنك) أي: اتركها على أن الأمر للندب والأخذ بالورع والاحتياط لا على الوجوب ومذهب أحمد أن الرضاع يثبت بشهادة المرضعة وحدها بيمينها، ومر الحديث في كتاب العلم في باب الرحلة.
          قوله: (أشار إسماعيل بإصبعه) حكاية عن أيوب في إشارته بهما إلى الزوجين.
          قوله: (لا يرى بأسا) يعني قال أنس معنى الآية حرمت المزوجات إلا الأمة المزوجة بعبده فإن لسيده أن ينزعها من تحت نكاح زوجها، وقال في ((الكشاف)): حرمت المحصنات أي: ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين.
          قوله: (أحمد) ابن محمد بن حنبل الإمام المشهور، لم يخرج (خ) في الجامع عنه حديثاً مسنداً إلا واحداً أخرجه في آخر كتاب المغازي، وقال في كتاب اللباس: وزاد أحمد بن حنبل كذا وهذا هو الثالث مر ذكره، و(حبيب) ضد العدو (ابن أبي ثابت) ضد: الزائل الأسدي، و(سعيد) أي: ابن جبير.
          قال الجوهري: الأصهار أهل بيت المرأة ومن العرب من يجعل الصهر من الأحماء والأختان جميعاً، فإن قلت: الآية [لا] تدل على السبع الصهري؟ قلت: اقتصر على ذكر الأمهات والبنات؛ لأنهما كالأساس منهن وهي أخوات الزوجة وعماتها وخالاتها وبنات أخي الزوجة وبنات أختها، وهذا بترتيب ما في القرآن من النسب.
          فإن قلت: ما فائدة ذكر الأختين بعدها؟ قلت: للإشعار بأن حرمتها / ليست مطلقاً ودائماً كالأصل والفرع، بل عند الجمع ولم يذكر الأربعة الأخرى لأن حكمهن يعلم من الأختين بالقياس عليهما؛ لأن علة حرمتهما الجمع الموجب لقطيعة الرحم وذلك حاصل فيها.
          قوله: (عبد الله) ابن جعفر بن أبي طالب، و(بنت علي) هي زينب من فاطمة ♂، و(امرأته) هي ليلى بنت مسعود النهشلي بفتح النون والمعجمة وسكون الهاء بينهما.
          قوله: (للقطيعة) أي: لوقوع التنافس بينهما في الحظوة عند الزوج فيؤدي ذلك إلى قطيعة الرحم، و(أبو نصر) بسكون المهملة، و(عمران بن حصين) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وإسكان التحتانية وبالنون صحابي، و(جابر) ابن زيد، و(الحسن) البصري تابعيان.
          قوله: (يلزق) غرضه أن الإمام أبا حنيفة قال: إذا مس أخت امرأته أو نظر إلى فرجها حرمت عليه امرأته، وقال أبو هريرة: لا تحرم بمقدمات الجماع بل لا بد من الجماع.
          قوله: (جوز) أي: النكاح أو الوطء، وقال: لا يحرم وإنما كان مرسلاً؛ لأن الزهري لم يدرك عليًّا ☺.
          قوله: (بنات ولدها بناته) فإن قلت: كيف دل الحديث على أن بنت ولد المرأة حرام كبنتها؟ قلت: لفظ البنات متناول لبنات البنات وإن لم تكن في حجره يعني: الربيبة مطلقاً والتقييد بالحجر إنما هو بالنظر إلى الغالب ولا اعتبار لمفهوم المخالفة إذا كان الكلام خارجاً على الأغلب والعادة.
          قوله: (ابنة أبي سفيان) هي عزة بفتح المهملة وشدة الزاي، أخت أم حبيبة. زوج رسول الله صلعم، فإن قلت: ماذا له صدر الكلام؟ قلت: تقديره فماذا أفعل ماذا؟
          و(مخلية) من باب الأفعال أي: ليست خالية عن الضرة وهي أحب شركائي في الخير مر آنفاً.
          قوله: (عاصم بن سليمان) الأحول، و(داود) هو: ابن أبي هند واسمه دينار القشيري مر في كتاب الأيمان في باب المسلم من سلم المسلمون، و(عبد الله بن عون) بفتح المهملة وبالنون البصري. الخطابي: وفي معنى خالتها وعمتها خالة أبيها وعمته، وعلى هذا القياس كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلاً لم تحل له الأخرى، وإنما نهى عن الجمع بينهما لئلا يقع التنافس في الحظوة من الزوج فيفضي إلى قطع الأرحام.
          قوله: (قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبإهمال الصاد ابن ذؤيب مصغر الذئب الحيوان المشهور الخزاعي مات سنة ست وثمانين.
          قوله: (ويرى) هو من كلام الزهري أي: ويظن خالة ابنها مثل خالتها في الحرمة، وفي بعضها: نرى بفتح النون.
          الزركشي:
          (حتى يلزق بالأرض) هو بفتح الزاي قيده السفاقسي.
          (لا يجمع بين المرأة) الرواية برفع العين على الخبر عن المشروعية فيه فهو بمعنى النهي، وجوز فيه الجزم على النهي.
          (فنرى) بضم النون وهذا من قول الزهري. وإنما صار إلى ذلك لأنه حمل الخالة والعمة على العموم، وهو صحيح. انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (في باب شهادة المرضعة) تزوجت فلانة هي أم يحيى بنت أبي إهاب بن عزيز واسمها: غنية وقيل: زينب.