مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب تزويج الصغار من الكبار

          ░11▒ باب تزويج الصغار من الكبار
          فيه حديث عروة بن الزبير أن النبي صلعم خطب عائشة إلى أبي بكر.. الحديث.
          وهو من أفراده، وهو مرسل كما ترى، وقد نبه على ذلك الحميدي والدارقطني وأبو نعيم الأصبهاني وأبو مسعود الدمشقي وخلف الواسطي، وأما أبو العباس الطرقي فأخرجه في كتابه مسنداً عنه، عن عائشة. واعترض الإسماعيلي فقال: ليس في نفس الرواية ما ترجم عليه، فأما صغر عائشة فمعلوم من غير هذا.
          وفي ((الطبقات)) لما خطب رسول الله صلعم عائشة، قال أبو بكر: يا رسول الله، قد كنت وعدت بها أو ذكرتها لمطعم بن عدي لابنه جبير فدعني حتى أسلها منهم، ففعل. وفي لفظ: فطلقها جبير بن مطعم.
          وقام الإجماع على أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كن في المهد، كما حكاه ابن بطال، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء، وأحوالهن تختلف في ذلك في قدر خلقهن وطاقتهن.
          قال ابن المنذر: وفي هذا الحديث دليل على أن نهيه ◙ على إنكاح البكر حتى تستأذن، أنها البالغ التي لها إذن، إذ قد أجازت السنة أن يعقد الأب النكاح على الصغيرة التي لا إذن لها.
          واختلف في تزويج الأولياء غير الآباء اليتيمة الصغيرة، فقال ابن أبي ليلى ومالك والليث والثوري والشافعي وأحمد وأبو ثور: ليس لغير [الآباء] أن يزوج اليتيمة الصغيرة، فإن فعل فالنكاح باطل.
          وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال: يزوج الوصي الصغيرة دون الأولياء إذا كان وصي الأب، والجد عند الشافعي عند عدم الأب كالأب.
          وفرق مالك بين اليتيم واليتيمة، فأجاز للوصي تزويج اليتيم قبل البلوغ من قبل أن اليتيم لما كان قادراً على رفع العقد الذي يوقعه الولي إن كرهه بعد بلوغه جاز ذلك؛ لقدرته على الخروج منه، وليست اليتيمة كذلك؛ لأنها لا تقدر إذا بلغت على رفع العقد؛ لأن الطلاق ليس بيد النساء: فافترقا بهذه العلة.
          قال المهلب: وفي حديث عائشة من الفقه جواز خطبة الرجل لنفسه إلى ولي المخطوبة إذا علم أنه لا يرده؛ لتأكد ما بينهما، ويحتمل قول أبي بكر لرسول الله: ((إنما أنا أخوك)) أن يعتقد أنه لا يحل له أن يتزوج ابنته للمؤاخاة والخلة التي كانت بينهما، فأعلمه أن أخوة الإسلام ليست كأخوة النسب، فقال: ((إنها لي حلال بوحي من الله))، كما قال إبراهيم للذي أراد أن يأخذ منه زوجته: هي أختي يعني في / الإيمان؛ لأنه لم يكن أحد مؤمن يومئذ غيرهما.
          قلت: ويجوز أن يكون خطبها بواسطة، يؤيده رواية ابن أبي عاصم من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة أنه ◙ أرسل خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون تخطبها عليه، فقال لها أبو بكر: وهل تصلح؟ إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله فذكرت ذلك له فقال له: ((أنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي)) فأتت أبا بكر فذكرت فقال: ادعي لي رسول الله، فجاء فأنكحه.