مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: الوليمة حق

          ░67▒ باب الوليمة حق
          وقال عبد الرحمن بن عوف: إلى آخره سلف مسنداً غير مرة.
          ذكر فيه حديث أنس أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله المدينة، فكان أمهاتي يواظبنني على خدمة رسول الله، فخدمته عشر سنين، فتوفي النبي صلعم وأنا ابن عشر سنين... الحديث.
          هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البيهقي من حديث أنس مرفوعاً: ((الوليمة في أول يوم حق، وفي الثاني معروف، وفي الثالث رياء وسمعة)) ثم قال: ليس بقوي فيه بكر بن خنيس، تكلموا فيه.
          ورواه أبو الشيخ من حديث مجاهد، عن أبي هريرة مرفوعاً: ((الوليمة حق وسنة، فمن دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، والخرص والعذار والتوكير أنت فيه بالخيار)) فقلت: ما أدري ما الخرص؟ قال: طعام الولادة. والعذار: طعام الختان. والتوكير: الرجل في القوم، أو يبني الدار، فيصنع طعاماً يدعوهم، فهو بالخيار، إن شاء أجاب وإن شاء قعد.
          قال ابن بطال: قوله: (الوليمة حق) يعني: أن الزوج يندب إليها وتجب عليه وجوب سنة وفضيلة، قال: ولا أعلم أحداً أوجبها فرضاً، وإنما هي على قدر الإمكان والوجود لإعلان النكاح قلت: قوله: لا أعلم.. إلى آخره قد علمه غيره.
          فللشافعي قول أنها واجبة، وقد أسلفناه عن أحمد أيضاً، وهو مشهور مذهب مالك كما قال القرطبي. وفي حديث ابن بريدة، عن أبيه أن النبي صلعم قال: ((يا علي، لا بد للعرس من وليمة)).
          وقال ابن حزم: فرض على كل من تزوج أن يولم بما قل أو كثر.
          وقال ابن قدامة في ((المغني)): يستحب لمن تزوج / أن يولم ولو بشاة. ولا خلاف بين أهل العلم في أن الوليمة في العرس سنة مشروعة، وليست بواجبة في قول أكثر أهل العلم.
          وقال بعض أصحاب الشافعي: هي واجبة؛ لأنه ◙ أمر بها عبد الرحمن؛ ولأن الإجابة إليها واجبة، فكانت واجبة. ولنا أنه طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة، والخبر محمول على الاستحباب؛ بدليل ما ذكرناه وكونه أمر بشاة، ولا خلاف في أنها لا تجب.
          فرع:
          الإجابة إليها فرض عين، وقيل: كفاية. وقيل: سنة. قال ابن حزم: فرض على من دعي إلى وليمة أو طعام فليجب، إلا من عذر، فإن كان مفطراً ففرض عليه أن يأكل، وإن كان صائماً فليدع الله لهم.
          وقال عياض: لم يختلف العلماء في وجوب الإجابة في وليمة العرس، واختلفوا فيما عداها.
          قال عياض: ولا خلاف أنه لا حد لأقلها ولا لأكثرها.
          وقال المهلب: اختلاف فعله ◙ في هذه الولائم المختلف يدل على أنه يجب على قدر اليسار في ذلك الوقت.
          وفي (خ) في باب: من أولم بأقل من شاة أيضاً أنه أولم على بعض نسائه بمدين من شعير، وعلى زينب بشاة، وعلى صفية فيما ذكره ابن أبي حاتم، عن جابر: خرج رسول الله وفي طرف ردائه نحو من مد ونصف تمر عجوة، فقال: ((كلوا من وليمة أمكم)).
          وليس في قوله لعبد الرحمن: ((أولم ولو بشاة)) منعاً لما دون ذلك، وإنما جعل الشاة غاية في التقليل؛ ليساره وغناه، وأنها مما يستطيع عليها ولا تجحفه؛ ألا ترى أنه أولم على صفية بحيس ليس فيها خبز ولا لحم، وأولم على غيرها بمدين من شعير، ولو وجد حينئذ شاة لأولم بها؛ لأنه كان أجود الناس وأكرمهم.
          قلت: ويحتمل أنه قال له ذلك لعسر الصحابة حين هجرتهم، وكان أول قدمه، فلما توسعوا بفتح خيبر ونحو ذلك أولم رسول الله بالحيس وشبهه؛ ليبين الجواز. ويؤخذ من حديث ابن عوف الوليمة بعد البناء مطلقاً غير مقيد.
          وحقيقة الوليمة: الطعام المتخذ للعرس مشتقة من الولم، وهو الاجتماع لاجتماع الزوجين، قاله الأزهري وغيره.
          وقال ابن الأعرابي: أصلها تمام الشيء واجتماعه، والفعل منها: أولم.
          وفي ((المحكم)): هي طعام العرس والإملاك. وقيل: هي كل طعام صنع لعرس، وغيره. قال الشافعي: كل دعوة دعي إليها رجل، والختان، وحادث سرور من تركها لم يبين لي أنه عاص كما ثبت في وليمة العرس، قال: ولا أحفظ أن النبي صلعم قد أجاب إلى دعوة في غير وليمة، ولا أعلمه أولم على غير عرس. والوليمة أنواع.
          قوله: (فكان أمهاتي يواظبنني) أي: يحملنني ويبعثنني على خدمة النبي صلعم والمداومة عليها، وروي بالطاء المهملة والهمز من المواطأة على الشيء على خدمته.