مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب العزل

          ░96▒ باب العزل
          فيه حديث جابر: كنا نعزل على عهد رسول الله.
          وحديث الزهري عن ابن محيريز، عن أبي سعيد: أصبنا سبياً.. الحديث.
          هذان الحديثان أخرجهما (م).
          وفي لفظ: سأل رجل رسول الله فقال: إن عندي جارية وأنا أعزل عنها فقال ◙: ((إن ذلك لم يمنع شيئا أراده الله تعالى)) قال: فجاء الرجل فقال: يا رسول الله إن الجارية التي كنت ذكرتها لك حبلت. فقال ◙: ((أنا عبد الله ورسوله)). وفي لفظ: أن اليهود تحدث أن العزل موءودة الصغرى قال صلعم: ((كذبت اليهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه)).
          وللكجي: أن رجلاً من أشجع سأل رسول الله فقال: إن امرأتي ترضع، وأنا أكره أن تحمل، أفأعزل عنها؟ قال: ((ما قدر في الرحم سيكون)).
          وقال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري شيخ أيوب: قوله: ((لا عليكم أن لا تفعلوا)) أقرب إلى النهي.
          وقال الحسن البصري: والله لكأن هذا زجراً. وفي حديث جدامة بنت وهب مرفوعاً: ((إنه الوأد الصغير)) أخرجه (م).
          أسلمت جدامة قبل الفتح أو عامه. وفي لفظ (م): ((يأمر كل الماء بلون الولد وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنع منه شيء)).
          وفي لفظ: ما كتب الله خلق نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وستكون، وفي حديث أنس مرفوعاً: ((لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله جل وعز أو ليخلقن الله نفساً هو خالقها)) رواه أحمد.
          وعن ابن مسعود: كان ◙ يكره عشرة خلال، فذكرها.
          وفيه: ((عزل الماء لغير محله)). أخرجه (ن) وعن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جمانة أو أن جمانة سرية علي قالت: كان علي يعزل عنا، فقلنا له فقال: أحيي شيئاً أماته الله.
          وفي ((المصنف)) بسند صحيح أن عليًّا قال: العزل: الوأد الخفي. وعن عكرمة أن زيد بن ثابت وسعد بن أبي وقاص كانا يعزلان، وحكاه أيضاً عن رافع بن خديج وخباب بن الأرت وأبي أيوب الأنصاري وأبي بن كعب وعلي بن حسين وعلقمة، وأصحاب عبد الله وأنس والحسن بن علي وابن مغفل وابن عباس، وسئل عنه ابن المسيب فقال: هو حرثك إن شئت أعطشته، وإن شئت أرويته. وكذا قاله عكرمة، وقال الحسن: اختلف فيه الصحابة.
          وقد اختلف السلف فيه، فذكر مالك في ((الموطأ)) عن سعد بن أبي وقاص وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وابن عباس أنهم كانوا يعزلون. وذكره ابن المنذر عن علي وخباب بن الأرت وجابر وقال: كنا نفعله على عهد رسول الله.
          وروي ذلك عن جماعة من التابعين منهم ابن المسيب وطاوس، وبه قال مالك والكوفيون والشافعي وجمهور العلماء، وكرهته طائفة، ذكره ابن المنذر، عن الصديق والفاروق وعثمان. وعن علي رواية أخرى، وعن ابن مسعود وابن عمر وشدد فيه، وقال أبو أمامة: ما أرى أن مسلماً يصنعه.
          وحديث أبي سعيد السالف / فيه إكذاب من زعم أنه موءودة.
          وقد روي عن علي رفع ذلك، والتنبيه على فساده بمعنى حسن لطيف، روى الليث عن معمر بن أبي خيثمة، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: تذاكر أصحاب رسول الله عند عمر العزل، واختلفوا فيه، فقال عمر: قد اختلفتم أنتم، وأنتم أهل بدر الأخيار، فكيف بالناس بعدكم؟ فقال علي: إنها لا تكون موءودة حتى يتم بالتارات السبع، قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ}الآية [المؤمنون:12] فعجب عمر من قوله، وقال: جز[اك] الله خيراً. فأخبر علي أنه لا موؤدة إلا من نفخ فيه الروح فهو موات غير موءود.
          وروي أنه سئل ابن عباس عن العزل، فذكر مثل كلام علي سواء، فهذا علي وابن عباس قد اجتمعا على ما ذكرنا، وتابعهما عمر ومن كان بحضرته من الصحابة، فدل على أن العزل غير مكروه. وذهب مالك وجمهور العلماء أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، فإن منعت زوجها لم يعزل، وحكاه ابن بطال عن الشافعي، ومشهور مذهبه الجواز من غير توقف على إذنها مع الكراهة، وقطع الرافعي والنووي بالجواز في الأمة، والخلاف فيه حكاه الروياني في ((البحر)).
          واختلف في العزل عن الزوجة الأمة، فقال مالك والكوفيون: لا يعزل عنها إلا بإذن سيدها. وقال الثوري: لا يعزل عنها إلا بإذنها. وقال الشافعي: لا يعزل عنها دون إذنها، ودون إذن مولاها. كذا حكاه ابن بطال عنه، وهو غريب، فمذهبنا لا تحريم فيها.
          وحاصل مذهبنا أنه خلاف الأولى، وأطلق بعضهم الكراهة في كل حال، وفي كل امرأة سواء رضيت أم لا. والحاصل أربعة أقوال: الإباحة مطلقاً، والحرمة مطلقاً، والجواز بالإذن، والحرمة في الحرة.
          وأغرب ابن حزم فقال: لا يحل العزل عن حرة ولا عن أمة.
          والذي حركهم على السؤال عن العزل حولهم أن يكون محرماً لأنه قطع النسل.
          قوله: (أو أنكم لتفعلون ما لها ثلاثاً) وهي رواية جويرة عن مالك، وفي رواية: لا ما عليكم أن لا تفعلوا، وهي رواية ابن القسم وغيره عن مالك وفهمت طائفة منه النهي عن العزل والزجر عنه كما حكى عن الحسن ومحمد بن المثنى وقد سلف وكان هؤلاء فهموا من النهي عما يسأل عنه وحذف بعد قوله لا فكأنه قال لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا تأكيداً لذلك النهي وفهمت طائفة أنه إلى النهي أقرب وفهمت طائفة أخرى منها الإباحة كأنها جعلت جواباً لسؤال قوله: عليكم أن لا تفعلوا أي ليس عليكم جناح في أن لا تفعلوا وهذا التأويل أولى بدليل قوله: ما من نسمة... إلى آخره وبقوله: افعلوا أو لا تفعلوا إنما هو القدر وبقوله: إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء، وهذه الألفاظ كلها مصرحة بأن العزل لا يرد القدر ولا يصر فكأنه قال: لا بأس به.
          وبهذا يمسك من رأى إباحته مطلقاً عن الزوجة والأمة وبه قال كثير من الصحابة والتابعين والفقهاء وكرهه آخرون كما سلف ويمكن الجمع بين الأحاديث المتعارضة في ذلك ويصير ما يفهم منه المنع إلى الحرة إذا لم يأذن والإباحة إلى الإذن والأمة.
          ومعنى الرواية السالفة عن (م): ((ما من كل الماء يكون الولد)) أنه ينعقد في الرحم من جزء من الماء، لا يشعر العازل بخروجه، فيظن أنه قد عزل كل الماء وإنما عزل بعضه، فيخلق الله الولد من ذلك الجزء اللطيف. قالت الأطباء: وذلك الجزء هو الشيء الثخين الذي يكون في الماء على هيئة نصف عدسة.
          والرواية السالفة: (خادمنا وسايسنا) كذا لابن الحذاء من ساس الفرس يسوسه إذا خدمه، وروي أيضاً: سانيتنا يعني: الذي يسقي لهم الماء.
          وفيه دليل على لحاق الولد بمن اعترف بالوطء وادعى العزل في الحرة والأمة.
          وابن محيريز اسمه عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب بن لوذان بن سعد بن جمح قرشي جمحي مكي، رباه أبو محذورة أوس بن معير بن لوذان / ، وأخوه أنيس بن معير، قتل ببدر كافراً.
          قال رجاء بن حيوة: إن فخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر، فإنا نفخر بعابدنا ابن محيريز، إن كنت لأعد بقاءه أماناً لأهل الأرض، مات قبل المائة.