مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من قال: لا نكاح إلَّا بولي

          ░36▒ باب من قال لا نكاح إلا بولي
          لقوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة:232] الآية وقال يحيى بن سليمان إلى آخره ثم ذكر حديث عائشة {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [النساء:127] إلى آخره، وسلف.
          وشيخه فيه هو يحيى بن خلف البخاري كما صرح به أبو نعيم.
          وحديث عمر حين تأيمت حفصة وسلف.
          وحديث معقل بن يسار في قوله تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة:232] إلى آخره وسلف في [تفسير] سورة البقرة.
          تلا (خ) الآية الأولى؛ ليوقف النكاح على الولي، فعاتب الرب جل جلاله معقلاً عند امتناع ردها إلى زوجها، فلو كان لها أن تزوج نفسها أو تعقد النكاح، لم يعاتب أخاها على الامتناع منه، ولا أمره الشارع بالحنث، فدل على أن النكاح كان إليه دونها، والعضل: المنع من التزويج، فمنعوا من عدم تزويجهن، كما وعظ أولياء اليتامى أن يعضلوهن إذا رغبوا في أموالهن، فلو كان العقد إليهن لم يكن ممنوعات.
          وأما الآية الثانية فوجه الدلالة منها أن الله تعالى خاطب الأولياء ونهاهم عن إنكاح المشركين وليأتهن المسلمات؛ من أجل أن الولد يتبع الأب في دينه؛ لقوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة:221] ولا مدعو في نفس الاعتبار يمكنه الإجابة إلا الولد إذ هو تبع لأبيه في الدين، ولذلك نهى الله تعالى عن إنكاح الإماء المشركات؛ لأن الذي يتزوجها يتسبب أن يولدها، فيبيعها سيدها حاملاً من مشرك؛ إذ أولاد الإماء تبع لأمهاتها في الرق، فيؤول ذلك إلى تمليك المشركين أولاد المسلمين، فيحملونهم على الكفر، فنهى الله عن ذلك وحرمه في كتابه، وجوزه لمن لم يستطع / طولا لحرة(1) إذا خشي العنت أن ينكح الأمة المسلمة في ملك المسلم لامتناع تمليكهن المشركين، وأباح له استرقاق ولده واستعباده لأخيه المسلم؛ من أجل أنه فداء من أن يحمله على غير دين الإسلام، والدليل على جواز إرقاق الرجل بنيه قوله ◙ في جنين المرأة: ((غرة عبد أو وليدة))، فلما جعل ◙ عوض الجنين الحر عبداً وأقامه مقامه، وجوز لأبيه ملكه واسترقاقه عوضاً من ابنه. علمنا أن للرجل أن ينكح من النساء من يسترق ولدها.
          واتفق جمهور العلماء أنه لا يجوز نكاح إلا بولي إما مناسب أو وصي على من يراه أو سلطان، ولا يجوز عقد المرأة على نفسها بحال.
          روي عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة، وروي عن شريح وابن المسيب والحسن وابن أبي ليلى، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وأبي عبيد، وحكى ابن المنذر عن الشعبي والزهري أنها إذا تزوجت بغير إذن وليها كفؤاً، فهو جائز.
          وقال مالك في المعتقة والمسكينة التي لا خطب لها فإنها تستخلف على نفسها من يزوجها، ويجوز ذلك، وكذلك المرأة يكفلها الرجل أن تزويجه عليها جائز، وأما كل امرأة لها قدر وغنى فلا يزوجها إلا الأولياء أو السلطان.
          قال أبو حنيفة: إذا كانت بالغة عاقلة زالت ولاية الولي عنها، فإن عقدت بنفسها جاز، وإن ولت رجلاً حتى عقد جاز ووافق أنها إذا وضعت نفسها بغير كفؤ كان للولي فسخه وشذ أهل الظاهر أيضاً فقالوا: إن كانت بكراً فلا بد من ولي، وإن كانت ثيباً لم يحتج إلى ولي، وهذا خلاف الجماعة.
          وفي عقد عمر على حفصة دونها دال على أنه ليس للبالغة تزويج نفسها دون وليها، ولو كان ذلك لها لم يكن الشارع يدع خطبة حفصة إلى نفسها؛ إذ كانت أولى بنفسها من أبيها، ويخطبها إلى من لا يملك أمرها ولا العقد عليها.
          وفيه: بيان أن قوله ◙: ((الأيم أحق بنفسها من وليها)) معناه: أنها أحق بنفسها في أنه لا يعقد عليها إلا برضاها، لا أنها أحق بنفسها في أن تعقد عليها عقدة نكاح دون وليها. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحداً من الصحابة ثبت عنه خلاف ما قلناه.
          وأيضاً قال تعالى: {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} [البقرة:221] وقوله: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ} [النور:32] فلم يخاطب فقال بالنكاح غير الرجال ولو كان إلى النساء لذكرن في ذلك.
          وقول عائشة: ((إن النكاح كان على أربعة أنحاء: فنكاح الناس اليوم: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو بنته)) حجة في أن سنة عقد النكاح إلى الأولياء.
          قال ابن المنذر: وأما تفريق مالك بين المولاة والمسكينة، وبين من لها منهن قدر وغنى، فليس ذلك مما يجوز أن يفرق به؛ إذ قد سوى الشارع بين الناس جميعاً فقال: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) فسوى بين الجميع في الدماء، فوجب أن يكون حملهم فيما دون الدماء سواء.
          قال الداودي: بقي على عائشة نحو لم تذكره وذكره الله تعالى في قوله: {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25] كانوا يقولون: ما استتر فلا بأس / به، وما ظهر فهو لوم. ونكاح المتعة أيضاً أهملته.
          وفي الدارقطني عن أبي هريرة: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك.
          ومرادها: بالأنحاء: الضروب. والاستبضاع: استفعال من البضع وهو النكاح، ويطلق أيضاً على العقد والجماع، وعلى الفرج، قوله: ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به. وفي نسخة: بالذي يرون فإذا لحقته فالتاطه ودعي ابنه. ومعنى التاطه: استلحقه، وأصل اللوط: اللصوق.
          وقول معقل: ((زوجتك وفرشتك)) أي: جعلتها لك فراشاً، يقال: فرشته وفرشت له. مثل: وزنته ووزنت له، وكلته وكلت له.
          قوله: (وكان رجلا لا بأس به) يعني: صالحاً، وهذا مما غيرته العامة، فكنوا به عمن لا خير فيه، وحقيقة اللفظ أنه كان جيداً وفي اعتبار الولي أحاديث:
          1- حديث عائشة أن النبي صلعم قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) وقال: لا يصح في ذكر الشاهدين غيره وأخرجه الحاكم وصححه، وابن الجارود في ((منتقاه)).
          وفي كتاب ((من حدث ونسي)) للخطيب، وصححه أحمد في ((سؤالات المروذي)) له.
          2- حديث أبي موسى مرفوعاً: ((لا نكاح إلا بولي)) أخرجه (د) (ت) (ق) وصححه ابن حبان والحاكم، وصححه (خ) (ت).
          3- حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها)) وكنا نقول: التي تزوج نفسها هي الزانية. أخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الصحيح.
          4- حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلعم: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) رواه (د) (ق) (ت)، وحسنه وصححه ابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين، وقال ابن معين: إنه أصح ما في الباب.
          قال والدي ⌂:
          (باب {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ}) [البقرة:235].
          قوله: (طلق) بفتح المهملة وسكون اللام (ابن غنام) بفتح المعجمة وشدة النون، و(زائدة) من الزيادة (ابن قدامة) بضم القاف وخفة المهملة الثقفي، قال الزمخشري: التعريض هو أن يذكر شيئاً يدل به على شيء لم يذكره، وقال الجمهور: هو كناية تكون مسوقة لأجل موصوف غير مذكور، و(القاسم) هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، و(لا يبوح) أي: لا يصرح، و(نافقه) أي: رابحه، و(في عدتها) بتشديد الدال.
          قوله: (سرقة) بفتح المهملة والراء والقاف القطعة من الحرير وقيل: إنها معربة من سَرَه فارسية.
          فإن قلت: هل فرق بين قوله: إذا هي أنت وعكسه؟ قلت: تقدم ما تقدم بسلامة الأمر فعلى الأول المراد منه الحكم على ما في السرقة بأنها أتت لمن يكون طالباً للحكم عليه، وعلى الثاني المراد منه الحكم على المخاطبة بأنها هو ما في السرقة لمن يطلب الحكم عليها نحو زيد أخوك وأخوك زيد.
          قوله: (صعد) أي: رفع، و(صوبه) أي: خفضه.
          قوله: (وعددهن في بعضها عادها) ومر مراراً قوله: {لاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [النساء:19] العَضل(2) منع الولي موليته من النكاح وحبسها منه، والآية تدل على أن المرأة لا تزوج نفسها ولو لا / أن لها ذلك لم يتحقق معنى العضل.
          فإن قلت: لا يلزم من النهي عن العضل جوازه لقوله تعالى: {ولاَ تُشْرِكُواْ} [النساء:36] {وَلاَ تَقْتُلُواْ} [الأنعام:151] قلت: القصة وسبب النزول وقول معقل فزوجها إياه بعد ذلك يدل عليه.
          فإن قلت: كيف وجه الاستدلال بالآية الثانية؟ قلت: الخطاب ولا تنكحوا للرجل وليسوا غير الأولياء فكأنه قال: لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين.
          فإن قلت: فكيف في الثالثة والأيم أعم من المرأة لتناوله الرجل أيضاً، ولا يصح أن يراد بالمخاطبين الأولياء وإلا لكان للرجل ولي؟ قلت: خروج الرجل منه بالإجماع فنفى الحكم في المرأة بحاله.
          قوله: (عنبسة) بفتح المهملة والموحدة وسكون النون بينهما ابن أخي يونس و(أنجاء) أي: أنواع و(يصدقها) أي يعين صداقها ويسمي مقداره، و(طهرت) بلفظ الغائبة، و(الطمث) الحيض، و(استبضعي) أي: اطلبي منه الغشيان والبضع الفرج والمباضعة المجامعة، و(إنما يفعل ذلك) أي: الاستبضاع من فلان لطلب النجابة اكتساباً من ماء الفحل؛ لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أشرافهم ورؤسائهم وأكابرهم.
          قوله: (عرفت) بصيغة المتكلم، وفي [بعضها] عرفتم.
          قوله: (يمتنع منه) وفي بعضها: يمتنع به الرجل أي: تمنعه ولا تمتنع فيمن جاءها، وفي بعضها: لا تمنع من جاءها، وفي أكثر النسخ لا تمتنع من جاءها ولا بد له من تأويل، و(القافة) جمع القائف وهو الذي يلحق الولد بالوالد بالآثار، و(التاطته) من الالتياط بالفوقانية والمهملة؛ أي: ألصقته واستلحقته وقيل صوابه فالتاط به أي: التصق يقال هذا لا يلتاط به أي: لا يلتصق به واستلاطُوه أي: ألصقوه بأنفسهم.
          قوله: (يحيى) هو إما ابن موسى وإما ابن جعفر، و(وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف وبالمهملة، و(ابن حذافة) بضم المهملة وخفة المعجمة وبالفاء اسمه خنيس مصغر الخنس بالمعجمة والنون والمهملة، و(النظر) إذا استعمل بفي فهو بمعنى التفكر وباللام بمعنى الرأفة وبإلى بمعنى الرؤية وبدون الصلة بمعنى الانتظار نحو انظرونا نقتبس مر الحديث آنفاً.
          قوله: (أحمد بن أبي عمرو) حفص النيسابوري سبق في الحج، و(إبراهيم) أي: ابن طهمان بفتح المهملة وإسكان الهاء، و(يونس) أي: ابن عبيد مصغر ضد الحر، و(الحسن) أي: البصري، و(معقل) بفتح الميم وتسكين المهملة وكسر القاف (ابن يسار) ضدُّ: اليمين، و(فرشتك) أي: جعلتها لك فراشاً يقال فرشت الرجل إذا فرشت له.
          الزركشي:
          (فاستبضعي منه) أي: اطلبي منه الجماع للولد، والمباضعة اسم للجماع.
          (نكاح الناس اليوم) ورواه أبو داود قال: ((إلا نكاح الإسلام)).


[1] في المخطوط: ((يجده)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: لفظ العضل يدل أن للرجل الولاية؛ لأنه لو لم يكن له ولاية لما كان لعضله اعتبار فحيث أمر الله بقدم العضل دل على أنه صاحب الولاية، لكن لا يمنع النكاح إذا كان الخاطب كفؤاً)).