مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الشروط في النكاح

          ░52▒ باب الشروط في النكاح
          وقال عمر... إلى آخره، ثم ساق حديث أبي الخير وهو مرثد بن عبد الله اليزني.
          هذا التعليق أخرجه أبو عبيد، عن ابن عيينة، عن يزيد بن يزيد بن جابر، بسنده عن عبد الرحمن بن غنم قال: شهدت عمر قضى في رجل شرط لامرأته دارها، فقال: لها شرطها. فقال رجل: إذاً يطلقها. فقال: إن مقاطع الحقوق عند الشروط.
          وحديث المسور أسنده في الخمس، وفضائل أصهار رسول الله عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، عن علي بن الحسين عنه، وأخرجه أيضاً في الشروط، وحديث عقبة في الشروط أيضاً.
          واختلف في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من دارها، أو لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، وشبه ذلك من الشروط المباحة على قولين:
          1- أنه يلزمه الوفاء بذلك، ذكر عبد الرزاق وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أن رجلاً شرط لزوجته أن لا يخرجها، فقال عمر: لها شرطها، وقال: المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم.
          2- لا يلزمه شيء من هذه الشروط.
          واختلف فيه قول التابعين فمن بعدهم فقال الأوزاعي: نأخذ بالقول الأول، ونرى أن لها شرطها. وقال الليث: بالقول الآخر، ووافقه مالك بن أنس وسفيان بن سعيد.
          قال أبو عبيد: والذي عندنا في ذلك نأخذ بقول يجمع المذهبين، فنأمره بتقوى الله والوفاء بالشرط، ولا نحكم عليه بذلك حكماً، فإن أبى إلا الخروج لها كان أحق الناس بأهله.
          وأجمعت الأمة على أن امرأة لو شرطت على زوجها / أنه ليس له أن يغشاها، أن شرطها باطل، وله الغشيان، فكذلك هذه لما أبت عليه أن تصحبه كانت مانعة لفرجها منه بمنزلة تلك؛ فلهذا نرى أن شرطها مردود، وإلى القول الثاني ذهب عطاء والشعبي وسعيد بن المسيب والنخعي والحسن وابن سيرين وربيعة وأبو الزناد والزهري وقتادة، وهو قول مالك والليث والثوري وأبي حنيفة والشافعي وقال عطاء: إذا شرطت أنك لا تنكح، ولا تتسرى، ولا تذهب، ولا تخرج بها، يبطل الشرط إذا نكحها.
          وحملوا حديث عقبة على الندب واستدلوا على ذلك بقوله في صهره: ((ووعدني فوفى لي)) وإنما استحق المدح؛ لأنه وفى له متبرعاً متطوعاً، لا فيما لزمه الوفاء به على سبيل الفرض.
          قال ابن المنذر: وأصح من ذلك قول من أبطل الشرط وأثبت النكاح بحديث بريرة السالف، حيث أجاز البيع وأبطل الشرط، فلما أبطل من الشروط ما ليس في كتاب الله كان كمن اشترط شروطاً خلاف كتاب الله أولى أن تبطل.
          من ذلك أن الله أباح للرجال النكاح أربعاً ووطء ما ملكت يمينه بقوله: {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:6] فإذا شرطت تحريم ما أحل الله له بطل الشرط وثبت النكاح، ولما كان للرجل إذا عقد نكاح امرأة أن ينقلها حيث يصلح أن ينقل إليه مثلها ويسافر بها، كان من أشراطها عليه ذلك غير أحكام المسلمين في أزواجهم، وذلك غير لازم للزوج.
          فأما معنى: (أحق الشروط) إلى آخره، فيحتمل أن يكون معناه المهور التي أجمع أهل العلم على أن للزوج الوفاء بها، ويحتمل أن يكون ما شرط على الناكح في عقد النكاح، فيما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وإذا احتمل الحديث معاني كان ما وافق الكتاب والسنة أولى، وقد أبطل الشارع كل شرط ليس في كتاب الله، فهذا أولى معنييه.
          قال ابن بطال: وإن كان في هذه الشروط لبس طلاق أو عتق وجب ذلك عليه ولزمه عند مالك والكوفيين، وعند كل من يرى الطلاق قبل النكاح لازماً، وكذا العتق، وهو قول عطاء والنخعي والجمهور.
          قال النخعي: كل شرط في نكاح فالنكاح يهدمه، إلا الطلاق. ولا يلزمه شيء من هذه الأيمان عند الشافعي [لأنه] لا يرى الطلاق قبل النكاح لازماً ولا العتق قبل الملك، واحتج بقوله: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)) ومعناه: ليس في حكم الله وحكم رسوله لزوم هذه الشروط؛ لإباحة الله أربعاً من الحرائر، وإباحته ما شاء بملك اليمين، وإباحته أن يخرج بامرأته حيث شاء، فكل شرط يحظر المباح فهو باطل.