مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة

          ░111▒ باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم
          فيه حديث أبي الخير واسمه: مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلعم قال: ((إياكم والدخول على النساء)) الحديث.
          وحديث أبي معبد نافذ، مات سنة أربع ومائتين، من أفضل موالي ابن عباس عن ابن عباس أن النبي صلعم قال: ((لا يخلون رجل بامرأة)) الحديث.
          الحديث الأول أخرجه (م) (ت) (ن)، والثاني سلف في الحج.
          وفي (م) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي، أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر وهي تحته يومئذ فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله، فقال وهو على المنبر: ((لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان)).
          وفيه فائدة جليلة: وهو بيان هذا القول إما في أوائل سنة تسع أو قبلها؛ لأن جعفراً قتل عن أسماء في جمادى الأولى سنة ثمان.
          وأما ابن العربي: فقال: يحمل هذا على أنه كان قبل نزول الحجاب؛ لأن الحجاب لما نزل افتتح النهي بأعظم منه. وقد يقال: الدخول غير الخلوة.
          ولابن حبان، عن عمر، مرفوعاً: ((لا يخلون أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما)).
          قوله: (يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)) قال أبو عبيد: يقال: فليمت ولا يفعلن ذلك. فإن كان هذا رأيه في أبي الزوج وهو محرم، فكيف بالغريب؟ وقال ابن الأعرابي: هذه كلمة تقولها العرب كما تقول: الأسد الموت؛ أي: لقاؤه مثل الموت. وكما يقولون: السلطان نار. فالمعنى: أن خلوة الحمو معها أشد من خلوة غيره من البعداء؛ ولذلك جعله كالموت؛ أي: احذروه كما تحذرون الموت.
          قال الأصمعي: الأحماء من قبل الزوج، والأختان من قبل المرأة، والأصهار تجمعهما. زاد ابن بطال عنه: والحماة أم الزوج، و(الختنة): أم المرأة.
          ونقل ابن بري في ((إيضاحه)) عنه: الأحماء من قبل المرأة. زاد الخطابي بعد أن نقل الأول: لا يختلف أهل اللغة في ذلك، قال: وجرى في ذلك بعض الفقهاء على عرف العامة، فقال: إذا أوصى إلى أختانه دفع إلى أزواج بنات الموصي وأخواته، وكل من يحرم عليه من ذات / رحم محرم، وهو قول محمد بن الحسن.
          وانظر كيف يصح أن يقال: هو أبو الزوج ثم يمنعه، والله تعالى يقول: {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31]. وقال أبو عبد الملك: معناه: أن لا يوجد من الحمو بد كما لا يوجد من الموت بد.
          وقال الخطابي: معناه: احذروا الحمو كما تحذرون الموت.
          وقال (ت): الحمو أخو الزوج، وقال الداودي: ينبغي أن يحذر من دخوله أو يكره الاسم بتسمية الموت؛ لأن الحمام: الموت. وهذا لا معنى له؛ لأن الحمام لامه ميم، والحمو لامه واو، فكيف يكونان شيئاً واحداً، ووزن حَمو مثل دَلو.
          وقال الأصمعي هو مهموز، مثل: كمء.
          وقال ابن سيده: الحمأ والحما: أبو زوج المرأة. وقيل: الواحد من أقارب الزوج والزوجة، وهي أقلهما. قلت: يؤيد الثاني قول عائشة ♦: ما كان بيني وبين علي إلا ما كان بين المرأة وأحمائها.
          قال القرطبي: جاء الحمؤ هنا مهموزاً، والهمز أحد لغاته، ويقال فيه: حمو، بواو مضمومة متحركة كدلو، وحما مقصور كعصا، والأشهر فيه أنه من الأسماء الستة المعتلة المضافة، التي تعرب في حال إضافتها إلى غير ياء المتكلم بالواو والألف والياء. وعلى قول الأصمعي أنه مهموز إعرابه بالحركات كالأسماء الصحيحة.
          وحكى عياض: هذا حمؤك، بإسكان الميم وهمزة مرفوعة قال: ومعناه: أن الخوف منه أكثر من غيره؛ لتمكنه من الوصول إلى المرأة، والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي. والمراد بالحمو هنا: غير آباء الزوج وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها، ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ، وابن الأخ، والعم وابنه، ممن ليس بمحرم، وعادة النساء المساهلة فيه.
          وأما ما ذكره المازري، أن المراد به أبو الزوج. وقد سلف عن أبي عبيد أيضاً، فرده النووي وقال: إنه فاسد مردود، لا يجوز حمل الكلام عليه.
          وفي ((مجمع الغرائب)): يحتمل أن يريد بالحديث أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة، ولا يؤمن عليها أحد، فليكن حموها الموت، أي: لا يجوز أن يدخل عليها أحد إلا الموت، كما قال الآخر: والقبر صهر ضامن، وهذا متجه لائق بكمال الغيرة والحمية.
          ومعنى الحديث: أن الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين، فجعله كهلاك الموت، فورد الكلام مورد التغليظ، قاله عياض.
          وعبارة القرطبي معناه: أنه يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه.
          ونهى عن الدخول عن المغيبة صهراً وغيره؛ خوف الظنون ونزغات الشيطان؛ في أن الحمو قد يكون من غير ذوي المحارم، وإنما أباح للمرأة الخلوة بالمحرم، كما نبه عليه المهلب.
          و(المغيبة) بضم الميم وكسر المعجمة ثم مثناة تحت ثم موحدة ثم هاء: من غاب زوجها عن منزلها، سواء كان في البلد أو مسافراً.
          وبالنهي عن الدخول قال جماعة من الصحابة والتابعين.
          قال الطبري: فلا يجوز أن يخلو رجل بامرأة ليس لها محرم، في سفر ولا حضر، إلا في حال لا يجد من الخلوة منها بدًّا، وذلك كخلوه بجارية امرأته التي تخدمه في حال غيبة مولاتها عنها، وقد رخص في ذلك الثوري.
          وفي حديث ابن عباس إباحة الرجوع عن الجهاد إلى إحجاج امرأته؛ لأن فرضاً عليه سترها وصيانتها، والجهاد في ذلك الوقت كان يقوم به غيره، فلذلك أمره ◙ أن يحج معها إذا لم يكن لها من يقوم بسترها في سفرها ومبيتها.