مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها

          ░83▒ باب موعظة الرجل ابنته
          فيه حديث ابن عباس وقد سلف في: المظالم، في باب: الغرفة.
          وفيه: بذل الرجل المال لابنته بتحسين عشرة زوجها؛ لأن ذلك صيانة لعرضه وعرضها، وبذل المال في صيانة العرض واجب.
          وفيه: تعريض الرجل لابنته بترك الاستكبار من الزوج، إذا كان ذلك يؤذيه.
          وفيه: سؤال العالم عن بعض أمور أهله، إذا كان في ذلك سنة تنقل، ومسألة تحفظ، وإن كان فيه غضاضة، وعما لا غضاضة فيه، وإن كان من سره.
          وفيه: توقير للعالم عما يخشى أن يجشمه، والمطل بذلك إذا لم يخش فواته، فإذا خشي ذلك جاز للطالب أن يفتش عما فيه غضاضة، وما لا غضاضة فيه.
          وفيه: إجابة العالم في ابنته وفي امرأته مما سلف لها من خطأ، وما ضلت به من سنة.
          وفيه: سؤال العالم في الخلوات وفي موضع التبرز، لا سيما إذا كان في شيء من أمر نسائه وأسراره، فلا يجب أن يسأل عن ذلك في جماعة الناس، ويترقب المواضع الخالية.
          وفيه كما قال الطبري: الدلالة الواضحة على أن الذي هو أصلح للمرء وأحسن به الصبر على أذى أهله، والإغضاء عنهم، والصفح عما يناله منهم من مكروه في ذات نفسه دون ما كان في ذات الله، وذلك الذي ذكره عمر عن رسول الله من صبره عما يكون إليه منهن من الشدة على رسول الله وأذاهن وهجرهن له، ولم يذكر عن رسول الله أنه عاقبهن على ذلك، بل ذكر أن عمر / هو الذي وعظهن عليه دون رسول الله وبنحو الذي ذكر عن عمر عن خلق رسول الله تتابعت الأخبار عنه، وإلى مثله ندب أمته ◙، وقد قال فيما روته عائشة عنه: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)).
          وأما حديث ابن عباس مرفوعاً: ((علق سوطك حيث يَراه الخادم)) وحديث أبي ذر: ((أخف أهلك في الله ولا ترفع عنهم عصاك)) فقيل: أسانيدها واهية، وأفضل ما تخلق به الرجل في أهله الصفح عنهن، على ما صح به الخبر عن رسول الله صلعم، وقيل: بل صحيحة؛ ومعنى ذلك أن يضرب الرجل امرأته إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته، واعتلوا بأن جماعة من الصحابة كانوا يفعلون ذلك.
          روي عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء قالت: كنت رابع أربع نسوة تحت الزبير، فكان إذا عتب على إحدانا أخذ عوداً من المشجب، فضربها به حتى يكسره عليها.
          وكان محمد بن عجلان يحدث بقوله ◙: ((لا ترفع عصاك عن أهلك)) فكان يشتري سوطاً فيعلقه في بيته؛ لتنظر إليه امرأته وأهله.
          وقال آخرون: بل ذلك أمر منه بالأدب والوعظ، وأن لا يخلو من تفقدهم بما يكون لهم مانعاً من الفساد عليهم، والخلاف لأميرهم، ومنه قول العرب: شق فلان عصا المسلمين: إذا خالف ألفتهم، وفرق جماعتهم.
          وأما ضربها لغير الهجر في المضجع فغير جائز له ذلك، بل محرم، قالوا: وقد حرم الله أذى المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا؛ قال: والصواب أنه غير جائز لأحد ضرب أحد ولا أذاه إلا بالحق؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب:58] سواء كانت امرأة أو مملوكاً أو صغيراً؛ لأن الله قد أباح لهؤلاء ضرب من ذكر بالمعروف على ما فيه صلاحهم.
          وأما حديث: (لا ترفع عصاك عن أهلك) فمحمول على الترهيب في ذات الله؛ لئلا يركبوا ما لا ينبغي، فتبقى سبة، إذ كان ◙ قيماً على أهله وراعياً عليهم، كما جعل الأمير راعياً على رعيته، وعلى الراعي رعاية رعيته بما يصلحهم ديناً ودنيا.
          وفيه: أن لذي السلطان وغيره اتخاذ الحجبة؛ ليحول بينه وبين من أراده، إلا بإذنه لهم؛ لقول عمر: ((ورسول الله في مشربة له، وعلى بابها غلام أسود))(1).
          وفيه: بيان أن ما روي عن رسول الله: أنه لم يكن له بواب. في الأوقات التي يظهر فيها لحاجات الناس وأما في الأوقات التي يخلو بنفسه فيها فيما لا بد له منه، فإنه قد كان يتخذ فيها أحياناً بواباً وحاجباً، ليعلم من قصده أنه خال بما لا بد له منه من قضاء حاجة، وتلك هي الحال التي وصف عمر أنه وجد على باب مشربته بواباً. وتأتي في: الأحكام، في باب: ما ذكر أنه ◙ لم يكن له بواب.
          قال المهلب: وفيه: أن للإمام والعالم أن يحتجب في بعض الأوقات عن بطانته، وخاصته عندما يطرقه، ويحدث عليه من المشقة مع أهله وغيرهم، حتى يذهب ما بنفسه من ذلك؛ ليلقى الناس بعد ذلك وهو منبسط إليهم غير متشكي لما عرض له.
          وفي سكوته ◙ عن الإذن لعمر في تلك الحال الرفق بالأصهار، والحياء منهم عندما يقع للرجل مع أهله؛ لأنه صلعم لو أمر غلامه برد عمر وصرفه، لم يجز لعمر أن ينصرف مرة بعد أخرى حتى أذن له ◙ ودخل عليه، فدل ذلك أن السكوت قد يكون أبلغ من الكلام وأفضل في بعض الأحايين.
          وفيه: الإبانة كما قال الطبري عن أن كل لذة وشهوة قضاها المرء في الدنيا فيما له مندوحة عنها، فهو استعجال من نعيم الآخرة الذي لو لم يستعجله في الدنيا كان مدحوراً / (2) أتمت ولم تؤجر.


[1] في هامش المخطوط: ((وحديث القف أيضاً شاهد له)).
[2] الورقة في المخطوط رقم داخلي ░183) ناقصة.