مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة

          ░106▒ باب المتشبع بما لم ينل وافتخار الضرة
          فيه حديث هشام عن فاطمة، عن أسماء أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن لي ضرة... الحديث، وأخرجه (م) من حديث وكيع.
          قال أبو عبيدة: المتشبع: المتزين بأكثر مما عنده، يتكثر بذلك ويتزين بالباطل، كالمرأة يكون لها ضرة فتتشبع عندها بما تدعيه من الحظوة عند زوجها بأكثر مما عنده لها تريد بذلك غيظ صاحبتها وإدخال الأذى عليها، وكذلك هذا في الرجل.
          قوله: (كلابس ثوبي زور) يريد: أن الرجل يلبس ثياب / أهل الزهد والعبادة. ومقصوده: أنه يظهر للناس اتصافه بذلك بأكثر مما في قلبه، فهذه ثياب زور ورياء. وقيل: كمن لبس ثوبين لغيره، فأوهم أنهما له. وقيل: هو من يلبس قميصاً واحداً ويصل بكميه كمين آخرين، فيظهران عليه قميصين.
          وقال الخطابي: المراد هنا بالثوب: الحالة والمذهب، والعرب تكني بالثوب عن حال لابسه، ومعناه: أنها كالكاذب القائل مالم يكن.
          وقال نعيم بن حماد: هو أن الرجل يطلب منه شهادة زور، فيلبس ثوبين يتجمل بهما، فلا ترد شهادته لحسن ثيابه، فيقال: هذا قضاها بثوبيه، فأضيف الزور إلى الثوبين.
          قال بعض أهل المعرفة بلسان العرب: وللتشبيه هنا معنى صحيح؛ لأن كذب المتحلي بما لم يعط شيئاً فهو كاذب على نفسه بما لم يأخذ، وعلى غيره بما لم يبذل له. وعند ابن التين: يريد أنه لا ينتفع بذلك كما لا ينتفع بذلك لابس ثوبي زور. وهي تكون من وجوه مثل أن تلبس المرأة ثوبي وديعة أو عارية ليظن الناس أنهما لها، فلباسها لا يدوم، وتفتضح بكذبها، وإنما أراد بذلك خوفاً من الفساد بين زوجها وضرتها، وهو مثل الزور الذي صاحبه فيه مأثوم.
          وقال الداودي: إنما كره ذلك؛ لأنه يدخل بين المرأة الأخرى وزوجها البغضاء، فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه.
          قال القرطبي: ولذلك المتشبع حرام، وإنما صار محرماً؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وأذى الضرة، وأذى المسلم محرم.
          ثم نقل ابن التين عن الخطابي أنه قال: فيه تأويلان:
          أحدهما: أن الثوب مثل، ومعناه: إن المتشبع بما لم يعط صاحب زور وكذب، كما يقال لمن وصف بالبراءة من الأدناس: طاهر الثوب. والمراد به نفس الرجل، ومثله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4].
          والثاني: أن يكون أراد بالثوب نفسه، روي لنا في هذا عن نعيم بن حماد قال: الرجل في الحي له هيئة وشارة، فإذا احتيج إلى شهادة الزور شهد لهم فيقبل وهذا سلف.