التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب وضوء الصبيان

          ░161▒ بَابُ وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الغُسْلُ وَالطُّهُورُ، وَحُضُورِهِمُ الجَمَاعَةَ وَالعِيدَيْنِ وَالجَنَائِزَ، وَصُفُوفِهِمْ؟
          857- 858- 859- 860- 861- 862- 863- ذكر فيه أحاديث:
          أحدها: عن سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ (أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صلعم عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: فَقُلْتُ يَا أَبَا عَمْرٍو: مَنْ حَدَّثَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ).
          هذا الحديث أخرجهُ مسلمٌ أيضًا، ويأتي في الجنائز حيث ذكره البخاريُّ.
          والمبنوذ: الْمُفرد عن القبور، قال ابن الجوزي: وقد رواه قومٌ: ((على قبرِ منبوذٍ)). بكسر الراء مع الإضافة، وفسَّروه باللقيط، قال: وهذا ليس بشيءٍ، لأنَّ في بعض الألفاظ: ((أتى قبرًا منبوذًا)). وفي رواية: ((أَتَى على قَبْرٍ قَدْ دُفن البارحةَ، فصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثمَّ صلَّى عليها)).
          وفيه دلالةٌ أنَّ حُكْم اللقيط إذا وُجد في دار الإسلام حُكْم المسلمين، وكذا ذكر الخطابيُّ أنَّه يُروى على وجهين: بالإضافة و(قبرٍ منبوذٍ). بمعنى: أنَّ المنبوذ نعتٌ للقبر، أي: منتبذًا ناحيةً عن القبور. قال: ففيه: كراهةُ الصلاة إلى المقابر، لأنَّه جَعَل انتباذ القبر عن القبور شرطًا في جواز الصلاة. وفي هذا نظرٌ.
          وفيه: جواز الصلاة على القبر، وهو أحد قولي مالكٍ، وقول الشافعيِّ، وبخطِّ شيخ شيوخنا الحافظ شرف الدين الدِّمياطيِّ: مَن رواه منوَّنًا فيهما على النعت، أي: منتبذًا عن القبور ناحيةً، يُقال: جلست نبذةً. بالفتح والضمِّ، أي: ناحيةً، ويرجع إلى معنى الطرح، وكأنَّه طُرِح في غير موضع قبور الناس. ومن رواه بغير تنوينٍ على الإضافة فمعناه: قبر لقيطٍ وولدٍ مطروحٍ، والرواية الأولى أصحُّ لأنَّه جاء في بعض طُرق البخاريِّ عن ابن عبَّاسٍ في التي كانت تَقُمُّ المسجد.
          الثاني: حديث أبي سعيد الخدريِّ عن النَّبِيِّ صلعم قال: (الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ).
          ويأتي _إن شاء الله_ قريبًا في أبواب الجمعة والشهادات بالسند الذي ساقه به.
          الثالث: حديث ابن عَبَّاسٍ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ. الحديث.
          وتقدَّم في باب التخفيف في الوضوء، [خ¦138] وفيه عُبَيد بن عُمَيرٍ، يُقال له رؤيةٌ، مات قبل ابن عمر، ومات ابن عمر بعد ابن الزبير، آخر سنة ثلاثٍ وأوَّل سنة أربعٍ وسبعين.
          الرابع: حديث أنس بن مالكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ.. الحديث.
          وتقدَّم في أوائل الصلاة في باب الصلاة على الحصير. [خ¦380]
          الخامس: حديث ابن عَبَّاسٍ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ... الحديثَ.
          تقدَّم في كتاب العلم في باب: متى يَصِحُّ سماع الصغير، [خ¦76] وفي غيره. [خ¦493]
          السادس: حديث عُرْوة بن الزُّبير (أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَعْتَمَ رسول الله صلعم).
          وَقَالَ عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى... فذكره.
          تقدَّم في فَضْل العشاء، وهذا التعليق قال أبو نعيمٍ في «مستخرجه»: إنَّ البخاري رواه عن عيَّاشٍ عن عبد الأعلى، ورواه الإسماعيليُّ عن الفِريابيِّ، حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى، حدَّثنا عبد الأعلى، ورواه النسائيُّ في الصلاة عن نصر بن عليٍّ، عن عبد الأعلى، وكذا رواه أبو نعيمٍ أولًا، وعيَّاشٌ هو ابن الوليد الرَّقَّام البصريُّ، مات سنة ستٍّ وعشرين ومائتين، وانفرد به البخاريُّ.
          السَّابع: حديث سُفيَانَ عَنْ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ عابسٍ: (سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وقَالَ لَهُ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم؟ قَالَ: نَعَمْ) الحديث.
          ويأتي إن شاء الله تعالى في أبواب / العيدين [خ¦975] والاعتصام [خ¦7325].
          و(سُفيَانُ): هو الثوريُّ، و(عَبدِ الرَّحمَنِ): هو النخعيُّ الكوفيُّ، اتَّفقا عليه وعلى أبيه.
          وفيه: (فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُهْوِي بِيَدِهَا).
          قال القاضي: أَهْوى بيده، وأَهْوى يده للشيء: تناوله. وقال صاحب «الأفعال»: هَوَى إليه بالسيف وأَهْوى: أماله إليه، وقال ابن التين: أهوى بيده كذا إذا تناوله بيده، قال: فهو بضمِّ التاء، وهذه الأحاديث دالَّةٌ على ما ترجم له.
          أمَّا الأوَّل ففيه حضورُ الصبيِّ صلاة الجنازة وكونه في الصفِّ، ألا ترى إلى قوله: (فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ).
          وأمَّا الثاني وهو غُسْل الجمعة فمناسبته للباب وقت وجوب الغسل عليهم، وأنَّه واجبٌ على كلِّ مُحْتلمٍ، وأنَّه لا يجبُ على الصبيان، قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور:59]، ومعنى الوجوب: التأكُّد عند الشافعيِّ ومالكٍ وأكثر الفقهاء، وعن أحمدَ ومالكٍ والحسن وأبي هريرة وأبي قتادة وبعضِ أصحاب الحديث وأهلِ الظاهر وجوبُهُ، ذكره الخطابيُّ. وأصحاب أحمد ينكرونه، وحُكي الوجوب عن الشافعيِّ أيضًا، وهو غريبٌ، ولا خلاف في فضيلته، ويدلُّ على التأكُّد وعدم الوجوب قوله صلعم: ((من توضَّأ يومَ الجُمعةِ فَبِهَا وَنِعْمَت، ومَن اغتسلَ فالغُسْلُ أَفْضلُ)).
          وأمَّا الحديث الثالث: وهو حديث ابن عبَّاسٍ ومبيته عند خالته ميمونة ففيه وضوءُ الصبيان وإقامته في الصلاة عن يمينه، وإليه أشار البخاريُّ في الترجمة بقوله: (وَصُفُوفِهِمْ). أي: وصفوفِ الصبيان.
          وفيه من الفوائد أيضًا نوم الصبيِّ عند خالته.
          والشَّنُّ المذكور فيه هو السِّقاء البالي.
          وفيه أيضًا: أنَّ الواحدَ يقوم عن يمين الإمام، وخالفَ فيه ابن المسيِّب مستدلًّا بأنَّه صلعم وقفَ عن يسار أبي بكرٍ في مرضه، وكان أبو بكرٍ الإمام، وهو ناسخٌ لهذا، وأنَّه الآخر. وهو عجيبٌ منه.
          وفيه: أنَّ الإمام يُدِيره، وأنَّ نيَّة الإمامة لا تجبُ. قال ابن التين: وهو ردٌّ على الشافعيِّ، قلتُ: لا، فهو مذهبه. وقال أبو حنيفة: يأتمُّ به الرجالُ دون النِّساء.
          وفيه: دليلٌّ على صحَّة صلاة الصبيِّ، وإن لم يبلغ الحُلْم إذا عَقَل الصلاة، ويحتمل أن يكون سنُّ ابن عبَّاسٍ إذ ذاك عشر سنين.
          وقد ذكر البخاريُّ في فضائل القرآن أنَّه توفِّي النبيُّ صلعم وسنُّ ابن عبَّاسٍ عشْرُ سنين، وستعلم الخلاف فيه هناك، وقد صحَّ الأمر بالصَّلاة لسبعٍ، والضربُ عليها لعشرٍ.
          وقال به جماعةٌ من الفقهاء منهم مالكٌ ومكحولٌ والأوزاعيُّ وأحمد والشافعيُّ وإسحاق، وأغرَبَ أشهب فقال عن مالكٍ في «العتبيَّة»: يُضرب على تركها لسبعٍ، والحديث يردُّه لا جرَم، قال به ابن القاسم، وقال عروة: يُؤمر بالصلاة إذا عَقَلها. وقال ابن عمر: يُعلَّم الصبيُّ الصلاةَ إذا عَرَف يمينه مِن شماله.
          وهو قول ابن سيرين وابنُ المسيِّب، وهو متقاربٌ. وكره فُضَيلٌ وسفيان أن يُضرب على الصلاة وقالا: أَرْشِه عليها وهو حَسَنٌ لمن يقدر عليه، فإن لم يَقْدر أو أبى بعد أن أُرشِي ضُرب.
          وقوله فيه: (فَأَتَاهُ المؤذِّنُ يَأْذَنُهُ بِالصَّلاَةِ) كذا وقع هنا (يَأْذَنُهُ)، وصوابه يُؤذنه، أي: يُعلمه. كما نبَّه عليه ابن التين. قال: ومعنى (يَأْذَنُهُ): من أذِنتُ لك في كذا، وليس له هنا موضع.
          وفيه أيضًا: إباحة العمل اليسير في الصلاة، وأن يمشي الصغيرُ عن يمين الكبير، والمفضولُ عن يمين الفاضل.
          وفي روايةٍ: ((فأَخَذَ بأُذْنِي يَفْتِلُها)) وفتلها ليدور أو للتأدُّب، وليكون أذكرَ له فيما يستأنف بعد. ويُقال: إنَّ المعلِّم إذا فَتَل أُذنَ التلميذ كان أذكى لفهمه.
          وأمَّا الحديث الرابع: وهو حديث أنسٍ، ففيه: الاصطفافُ به.
          وأمَّا الخامس: وهو حضوره مع الجماعة بمنًى وقد ناهز الاحتلام، أي: قارب، ووصفُهُ لنفسه بذلك يفيد أنَّ إقرار الشارع له دليلٌ على إباحته، لأنَّه كان يَعْقِل الأمر والنهي، وقد وردَ الشَّرع بتقرير مَن هو دونه، وقد نزع تمرةً مِن يد الحسن بن عليٍّ وقال: ((أَمَا عَلِمْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقة)).
          وأمَّا السادس: وهو قوله: (نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) ففيه حضور الصبيان. ومعنى: أعتم بالعشاء: أخَّرها، والعَتَمة: الظُّلمة.
          وروى ابن عمر: ((نهى النبيُّ صلعم عن تَسْمِيةِ العِشَاء عَتمةً)). ورُوي عنه صلعم: ((مَن سمَّاها العَتَمة فَلْيَسْتَغْفِر اللهَ)). وكان ابن عمر إذا سمع أحدًا يُسمِّيها عَتَمةً صاح وغضب عليه.
          وقوله: (وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ المَدِينَةِ) أي: جماعةً، ويحتمل أن يكون ذلك الوقت.
          وأمَّا السابع ففيه: حضورُ العيد، لأنَّ الخروج كان لها، وإليه يرشد قول ابن عبَّاسٍ: (وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ) يعني: مِن صغره. وعليه بوَّب البخاريُّ: حضُورُهم العيد. وذكره في الترجمة الطُّهُور بعد الغُسْل لعلَّه يريد الوضوء، وكرَّره لأجل الوجوب.
          وحاصل الباب: تمرين الصبيان على الوضوء والصلاة، وحضور الجماعات في النَّفل والفرض، وتدريبهم على ذلك، ليعتادوها عند البلوغ، ولا خلاف أنَّ الاحتلامَ أوَّلُ وقت لزوم الفرائض والحدود والأحكام. واختلفوا إذا أتى عليه مِن السنين ما يَحْتلم في مثلها ولم يحتلم على أقوالٍ ستأتي في موضعها، إن شاء الله ذلك وقدَّره. [خ¦2664]