التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السجود على الأنف والسجود على الطين

          ░135▒ بَابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ فِي الطِّينِ
          813- ذكر فيه حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ: (اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صلعم العَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ) إلى أن قال: (وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ).فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلعم حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ المَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَةِ وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ.
          وسيأتي بطوله في موضعه في الصِّيام. [خ¦2016]
          والأَرْنَبَةُ: طرف الأنف، وهو حُجَّةٌ لمن أوجب السجود على الأنف والجبهة، وقالوا: هذا الحديث مفسِّر لقوله: ((أُمرت أن أَسْجدَ على سَبعةِ أعضاءٍ))، فذكر منها الوجه، وأبانَ في هذا الحديث أنَّ سجوده صلعم كان على أنفه وجبهته، واحتجَّ من قال: يجزئه السجود على جبهته بأن قال: إنما أُمر السَّاجد أن يمسَّ من وجه الأرض ما أمكنه إمساسه محاذيًا به القبلةَ ولا شيءَ مِن وجه ابن آدم يمكنه إمساسهُ منه غيرُ أنفه وجبهته، فإذا سجد عليهما فقد فعل أكثر ما يقدر عليه، فإن قصَّر عن ذلك وسجد على جبهته دون أنفه فقد أدَّى فرضه، وهذا إجماعٌ مِن جمهور الأمَّة.
          وفي الحديث أنَّ المصلِّي في الطين يَسجدُ عليه، وهذا عند العلماء إذا كان يسيرًا لا يَمْرُث وجهَهً ولا ثِيابَهُ، ألا ترى أنَّ وجهه كان سالمًا مِن الطين وإنَّما كان منه شيءٌ على جبهته وأَرْنبته، فإذا كان كثيرًا فالسُّنَّة فيه ما روى يَعْلى بن أميَّة عن النبيِّ صلعم أنَّه صلَّى إيماءً على راحِلَتِهِ في الماء والطين، وبه قال أكثر الفقهاء.
          واختلف قول مالكٍ فيه، فروى أشهب عنه أنَّه لا يُجْزِئه إلَّا النزول ويسجد على الأرض على حسب ما يمكنه استدلالًا بحديث أبي سعيدٍ. وقال ابن حبيبٍ: مذهب مالكٍ أنَّه يُومئ، إلَّا عبد الله بن عبد الحكم فإنَّه كان يقول: يسجد عليه، ويجلس فيه إذا كان لا يعمُّ وجهه، ولا يمنعه مِن ذلك إلَّا إحرازُ ثيابه. وقال ابن حبيبٍ: وبالأوَّل أقول؛ لأنَّه أشبهُ بيُسْرِ الله في الدِّيْن، وأنَّه لا طاعةَ في تلويث الثياب في الطين، وإنَّما يومئُ في الطين إذا كان لا يجد المصلِّي موضعًا نقيًّا من الأرض يصلِّي عليه فإن طمع أن يُدْرِك موضعًا نقيًّا قبل خروج الوقت لم يجزئه الإيماء في الطين.
          وفي بعض نسخ البخاريِّ: <قَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ: كَانَ الحُمَيدِيُّ يَحتَجُّ بِهذَا الحَدِيثِ أنْ لَا يَمْسَحَ الجَبْهَةَ فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَمسَحُ بَعدَهَا لِأنَّهُ صلعم رُئِيَ الْمَاءُ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ بَعدَمَا صَلَّى>.