التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي

          ░45▒ باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهْوَ لا يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلاَةَ النَّبيِّ صلعم وسُنَّتَهُ.
          677- ذكر فيه حديث أيُّوب عن أبي قِلَابَة قَالَ: (جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هذا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يُصَلِّي. فَقُلْتُ لأَبِي قِلاَبَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هذا. وَكَانَ الشَّيخ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِن السُّجودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى).
          الكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث مِن أفراد البخاريِّ، وقد ذكره في مواضع أُخر في رفع اليدين وفيمن استوى قاعدًا في وترٍ مِن صلاته، وفي كيف يعتمد على الأرض.
          ثانيها: أبو قِلابة تابعيٌّ، واسمه عبد الله بن زيدٍ الجَرميُّ _جَرْمُ قُضاعة_ البَصريُّ، طُلب للقضاء بها فهرب، مات بالعَريش، وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك يحمد الله ويشكره، سنة أربعٍ أو ستٍّ أو سبعٍ ومائةٍ، ومالك بن الحُوَيرِث ليثيٌّ، له وفادةٌ مات بالبَصرة سنة أربعٍ وتسعين.
          ثالثها: قوله: (فَقُلْتُ لِأَبِي قِلاَبَةَ) القائل هو أيُّوبُ بن أبي تَميمَةَ، سيِّد شباب أهل البَصرة، وهذا الشَّيخ هو عمرُو بن سلِمة، بكسر اللام كما ذكرَه البخاريُّ في باب كيف يعتمد مِن الأرض إذا قام مِن الرَّكعة، كما ستعلمه، والأشهر أنَّه لا رؤيةَ له ولا سماع من النَّبِيِّ صلعم، ولأبيه وفادة.
          رابعها: قوله: (إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ): أي أصلِّي صلاةً لأجل التَّعليم لا لغيره مِن مقاصد الصَّلاة، وهو دالٌّ على جواز فعل مثل ذلك، وليس هو مِن باب التَّشريك في العمل، ودالُّ أيضًا على البيان بالفعل.
          خامسها: هذا الحديث دليلٌ ظاهرٌ على إثبات جلسة الاستراحة، وهو مشهور مذهب الشَّافعيِّ، وخالف فيه مالكٌ وأبو حنيفةَ وجماعاتٌ واختلف عن أحمد، والَّذي اختاره الخلَّال ورجع إليه آخرًا موافقةُ الشَّافعيِّ، وحملُ حديث مالكٍ هذا على حالة الضَّعف بعيدٌ، وكذلك قول مَن قَالَ: إن مالك بن الحُوَيرث رجلٌ مِن أهل البادية أقام عند رَسُولُ الله صلعم عشرين ليلةً، ولعلَّه رآه فعل ذلك في صلاةٍ واحدةٍ لعذرٍ فظنَّ أنَّه مِن سنَّة الصَّلاة أبعدُ وأبعد، لا يُقال ذلك فيه، والمسألة مبسوطةٌ في «شرح العمدة» فليُراجع منه، وأفدت فيه أنَّها ثابتةٌ في حديث أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ لا كما نفاها الطَّحاويُّ منه، بل هي في البخاريِّ ثابتةٌ في حديث المسيء صلاته في كتاب الاستئذان، في باب: مَن ردَّ فقال: عليكم السلام، كما سيأتي، وهو مِن النَّفائس لا كما نُفيت عنه.