التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة

          ░91▒ بَابُ رَفْعِ البَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ
          وَقَالَتْ عَائِشَةُ ♦: قَالَ النَّبِيُّ صلعم فِي صَلاَةِ الكُسُوفِ: (فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ).
          وهذا يأتي مسندًا في باب: إذا انْفَلَتَت الدَّابَّة في الصَّلَاة. [خ¦1212]
          746- 747- 748- 749- ثمَّ ساقَ حديث أبي مَعْمَرٍ _واسمه عبد الله بن سَخْبَرَة_ (قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فقُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَلكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.
          وحديث البَراءِ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ.
          وحديث ابن عبَّاسٍ: في تَكَعْكُعِه فيها.
          وحديث أنسٍ: في رؤيته ╕ الجنَّة والنَّار فيها.
          وهذا سلف في باب عِظَة الإمام النَّاسَ في إتمام الصَّلاة. [خ¦419]
          وقد اخْتَلفَ العلماء في أيِّ موضعٍ ينظرُ المصلِّي في صلاته؟
          فقال الكوفيُّون والشافعيُّ وإسحاق وأبو ثورٍ: ينظر إلى موضع سجوده.
          ورُوي ذلك عن إبراهيمَ وابن سِيرين.
          قال الشافعيُّ: وهو أقرب إلى الخشوع.
          وفيه حديثٌ من طريق ابن عبَّاسٍ في «كامل ابن عديٍّ» ليس من شرط هذا الصحيح، بل فيه رجلٌ مجهولٌ منكر الحديث. نعم السُّنَّة أن لا يجاوزَ بصرُهُ إشارتَه في التشهُّد لحديث ابن الزبير في «سنن أبي داود» بإسنادٍ صحيحٍ.
          واستثنى بعضُ أصحابنا ما إذا كان مُشَاهِدَ الكعبة فإنَّه ينظرُ إليها.
          قال القاضي الحسين: يَنظر إلى موضع سجوده في حال قيامه، وإلى قدميه في ركوعه، وإلى أنفه في سجوده، وحجره في تشهُّده لأنَّ امتداد النَّظر يُلْهِي فإذا قَصَر كان أولى. وقال مالكٌ: يَنظرُ أمامه، وليس عليه أن يَنظرَ إلى موضع سجوده وهو قائمٌ، ولا يحدُّ في موضع نظره حدًّا.
          وأحاديث الباب تَشْهدُ له لأنَّهم لو لم ينظروا إليه صلعم ما رأوا تأخُّره حين عُرضت عليه جهنَّم، ولا رَأَوا اضطرابَ لحيته، ولا استدلُّوا بذلك على قراءته، ولا نَقَلُوا ذلك، ولا رأوا تناوله ما تناول في قبلته حين مُثِّلتْ له الجنَّة.
          ومثل هذا الحديث قوله صلعم: ((إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ به)) لأنَّ الائتمام به لا يكون إلَّا بمراعاة حركاته في خفضه ورفعه.
          وإنَّما لم يأخذ صلعم العنقودَ لأنَّه من طعام الجنَّة وهو لا يفنى، ولا يُؤكل في الدنيا إلَّا ما يفنى لأنَّ الله خلقها للفناء، فلا يكون فيها شيءٌ من أمور البقاء.
          وقوله: في حديث البراء: (حَتَّى يَرَوْهُ قَدْ سَجَدَ) كذا بخطِّ الدِّمياطيِّ: (يَرَوْهُ)، وبخطِّ شيخنا قطب الدين في شرحه: (يَرَوْنَهُ)، ثمَّ قال: قال ابن التِّين: صوابه: (يروه) لأنَّه منصوبٌ. قال: وكذلك هو في بعض الروايات.
          والتَّكَعْكُعُ: التأخُّر. قال الخطَّابيُّ: وأصله تكعَّع فأُدخِلت الكاف لئلَّا يَجْمعَ بين حرفين من نوعٍ واحدٍ.
          واعترض ابن التِّين فقال: يظهر لي أنَّه لئلَّا يجمع بين ثلاثة أحرفٍ مثل: {دَسَّاهَا}. وأمَّا جمعُ حرفين فكثيرٌ.
          وقوله: (لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا) أي: لكان كلَّما أُزيلت حبَّةٌ عادت مكانها مِثْلَها كما تعود في الجنَّة.
          وقوله في حديث أنسٍ: (ثُمَّ رَقِيَ المِنْبَرَ) قال ابن التِّين: رُوِّيناه بكسر القاف، وكذا هو في القرآن قال تعالى {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} [الإسراء:93] قال: ووقع في بعض النُّسخ: <رَقَى> بفتح القاف.
          وقوله: (مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الجِدَارِ) يُحْتَمل أن وقع ذلك وهما في مكانهما، وظاهر الحديث أنَّهما أُدنيا له.