التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواءً إذا كانَا اثنين

          ░57▒ باب مَن يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ.
          697- ذكر فيه حديث ابن عَبَّاسٍ: (بِتُّ عند خَالَتِي مَيْمُونَةَ...) الحديث، وسلف في باب السَّمر في العلم [خ¦117].
          ░58▒ باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُمَا.
          698- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حدَّثَنَا ابن وَهْبٍ، حدثَنَا عَمْرٌو _يعني ابن الحارث_ إلى ابن عَبَّاسٍ قَالَ: (بتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَالنَّبِيُّ صلعم عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ...) الحديث.
          ░59▒ باب إِذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ.
          699- ساق فيه حديث ابن عبَّاس أيضًا: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي...) الحديث.
          و(أحمد) في السَّند الثَّاني هو ابن صالحٍ، كذا نسبه ابن السَّكن في نسخته وابن مَنده وأبو نُعَيمٍ في «مستخرجه». وَقَالَ بعضهم: هو ابن عيسى. وقيل: ابن أخي ابن وَهبٍ، قَالَ ابن مَنده: لم يخرِّج البخاريُّ عنْ أحمد هذا في «صحيحه» شيئًا وإذا حدَّث عن أحمد بن عيسى نسبه. وَقَالَ الحاكم أبو أحمد: أحمد عن ابن وهبٍ في «الجامع» هو ابن أخي ابن وَهبٍ، وغلَّطه الحاكمُ وَقَالَ: عادته فيمن ترك الرِّواية عنهم في «جامعه» أنْ يروي عنهم في سائر مصنَّفاته كابن صالحٍ وغيره، وليس له عن ابن أخي ابن وَهبٍ روايةٌ في موضعٍ، فهذا دالٌّ على أنَّه لم يكتب عنه أو كتب عنه ثمَّ ترك عنه الرِّواية أصلًا.
          وأطلق البخاريُّ على الواحد فصاعدًا لفظ القوم؛ لأنَّ الواقعة كانت مع واحدٍ ولا فرق بينه وبين الجماعة.
          ثمَّ الحديث دالٌّ على أنَّ موقف المأموم إذا كان بحذاء الإمام على يمينه مساويًا له. وهو قولُ عمرَ وابنه وأنسٍ وابن عبَّاسٍ والثَّوريِّ وإبراهيمَ ومكحولَ والشَّعبيِّ وعروةَ فيما ذكره ابن أبي شَيبة في «المصنف» عنهم، ورُوي عن جابرٍ أيضًا، وهو قول مالكٍ وأبي حنيفةَ والأوزاعيِّ وإسحاق. وعن محمَّد بن الحسن أنَّه يضع أصابع رجليه عند عقب الإمام. وعند سعيد بن المسيِّب أنَّ موقفه عن يساره، أسندَه ابن أبي شَيبة عنه. وعن أحمدَ أنَّه إن وقف عن يساره بطلت صلاته. وَقَالَ الشَّافعيُّ: يُستحبُّ أن يتأخَّر عن يساره قليلًا. وعن النَّخَعيِّ: يقف خلفه إلى أنْ يركع، فإن جاء أحدٌ وإلَّا قام عن يمينه، ذكره ابن المُنذر. وهو دالٌّ على أنَّه لا تجوز صلاة المنفرد خلف الصَّفِّ، وسيأتي له باب مستقلٌّ به، وقد صحَّ إحرامه أوَّلًا. ولم يأمر ابن عبَّاسٍ بالإعادة، حيث أحرم عن يساره فأقامه عن يمينه.
          والأحاديث دالَّة على وقوفه عن يمينه منها: حديث ابن عبَّاسٍ هذا، ومنها: حديث جابرٍ في «مسلمٍ» و«أبي داودَ»: ((فأخذ بيدِيَّ فأدارَني حَتَّى أقامني عن يمينِه)). وفي رواية أحمدَ: أنَّها كانت المغرب. وعند النَّسائيِّ وأحمدَ عن ابن عبَّاسٍ: ((صلَّيت إلى جنب النَّبِيِّ صلعم وعائشةُ خلفنا تصلِّي معنا)). ومنها حديث أنسٍ في «الصَّحيح»: ((فأقامني عن يمينه)). وللبيهقيِّ مثله عن أبي ذرٍّ. ولسَمُّويه في «فوائده» عن عبد الله بن أُنَيسٍ. وفعله عمرُ وابنه، كما رواه مالكٌ عنهما. فإن خالف وصلَّى خلفُكُره لمخالفة السُّنَّة. وقيل: لا، وكذا إنْ وقف عن يساره، خلافًا لأحمد _كما سلف_ فإنَّهُ ◙ لم يأمر ابن عبَّاس بإعادة ما صلَّى قبل جرِّه.
          وفي الحديث: أنَّ الفعل القليل لا يُبطل الصَّلاة، وأنَّ الإمام إذ لم ينو الإمامة أوَّلًا لا بأس أن يُؤتمَّ به كما وقع في الحديث؛ فإنَّ ابن عبَّاسٍ جاء بعد ما صلَّى رَسُولُ الله صلعم ولم ينو أوَّلًا أن يؤمَّ بابن عبَّاسٍ. وعند الشَّافعيِّ ومالكٍ وزفرَ: إنَّ نيَّة الإمامة ليست شرطًا فتجزئ صلاة المأموم وإن لم ينو الإمام الإمامة. وفيه قولٌ ثانٍ: أنَّها شرطٌ وأنَّ على المأموم الإعادة، قاله الثَّوريُّ وروايةٌ عن أحمدَ وإسحاق. وقولٌ ثالثٌ: أنَّه إذا نواها جاز للرِّجال الصَّلاة خلفه، وكذا إن لم ينوها. ولا يجوز للنِّساء الاقتداء به إلَّا أن ينويهنَّ، وعن ابن القاسم نحوه في النِّساء. وحديث ابن عبَّاسٍ حجَّة للشَّافعيِّ ومَن وافقه، ومن ادَّعى أنَّه ◙ نوى الاقتداء به فعليه البيان، ولو قلب قالبٌ قول أبي حنيفةَ فقال: إن نوى أن يكون إمامًا جاز للنِّساء أن يصلِّين خلفه ولم يجز للرِّجال، لم يكن له فرقٌ ولم تكن الحجَّة لهم إلَّا كالحجَّة عليهم. وأيضًا فإنَّ النِّساء / كنَّ يصلِّين خلفه ◙، ولم ينقل عنه أحد أنَّه عيَّنهنَّ بالنِّيَّة، ولا حصل منه تعليمُ ذلك.
          فائدة: استدلَّ البيهقيُّ بما رواه مسلمٌ في هذا الحديث بقوله: ((فقمتُ عن يسارِه فأدارَني مِن خلفِه حَتَّى جعلَنِي عن يمينِه)) وفي رواية: ((فتناولَني مِن خلفِ ظهرِه فجعلَنِي عن يمينِه)) فقال: فيه كالدِّلالة على منع المأموم مِن التقدُّم على الإمام حيث أداره مِن خلفه ولم يدره مِن بين يديه.