التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب متى يسجد من خلف الإمام

          ░52▒ باب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ؟
          وَقَالَ أَنسٌ عن النَّبِيِّ صلعم: (وإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا).
          كذا في بعض النُّسخ، وهو ما في «شرح ابن بطَّالٍ»، وفي بعضها: <قَالَ أنس: وإذا سجدَ سجدُوا>.
          690- ثمَّ ساق مِن حديث سفيان عن أبي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي البَرَاءُ _وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ_ قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم إذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صلعم سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ). حَدَّثَنَا أَبُو نَعَيْمٍ، حدَّثنا سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، نَحْوَهُ بهذا.
          وهذا الحديث ذكره البخاريُّ أيضًا في موضعين آخرين: رفع البصر إلى الإمام، والسُّجود على سبعة أعظمٍ. وأخرجه مسلمٌ أيضًا. و(سفيان) هو الثَّوريُّ، و(أبو إسحاق) هو السَّبِيعيُّ، و(عبد الله بن يزيدَ) هو الخَطْمِيُّ، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ كالبَراء ووالده، وقال الدَّارَقُطنيُّ: إنَّه محفوظٌ لعبد الله عن البَراء، ولم يقل أحدٌ: عن ابن أبي ليلى عن البَراء، غير أبان بن تغلُبٍ عن الحكم، وغير أبانَ أحفظ منه. قلت: حديث أبانَ أخرجه مسلمٌ، والسَّند الثاني مذكورٌ في بعض النُّسخ ومضروبٌ عليه في بعضها، ولم يذكره أصحاب الأطراف ولا أبو نُعَيمٍ في «مستخرجه». إذا تقرَّر ذلك فالكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدها: قوله: (وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ) قائله هو أبو إسحاق في عبدِ الله، لا البراءِ، قاله الحفَّاظ، وليس بجيِّدٍ؛ لأنَّ عبد الله صحابيٌّ أيضًا كما أسلفناه. وعبد الله لم يُرِد به التعديل، وإنَّما أراد به قوَّة الحديث كما أوضحته في «شرح العُمدة» بشواهده.
          ثانيها: قوله: (لَمْ يَحْنِ) أي: لم يعطف، ومنه حنَيت العُود: عطفته، ويُقال: حنَيت وحنَوت، والأكثر في اللَّغة والرِّواية بالياء. وقد رُوي بهما في «صحيح مسلمٍ».
          ثالثها: قوله: (ثُمَّ نَقَعُ) هو بالرَّفع على الاستئناف وليس معطوفًا على (يقعَ) الأوَّل المنصوب بـ(حَتَّى) إذ ليس المعنى عليه.
          رابعها: في أحكامه، فيه ما كانت الصَّحابة عليه مِن الاقتداء بالشَّارع والمتابعة له في الصَّلاة وغيرها حَتَّى لم يتلبَّسوا بالرُّكن الَّذي ينتقل إليه حَتَّى يشرع في الهويِّ إليه بل يتأخَّرون عنه، وفي فعل الصَّحابة ذلك دلالةٌ على طول الطَّمأنينة منه.