التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع

          ░124▒ بَابُ مَا يَقُولُ الإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ
          795- ذكر فيه حديث ابن أبي ذئبٍ: محمَّد بن عبد الرحمن، عن سَعِيدٍ الْمَقْبُريِّ، عن أبي هريرة قال (كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ: اللهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ).
          هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا.
          وقد اختلف العلماء فيما يقول الإمام ومن خلْفَهُ إذا رفَعَ رأسه من الركوع، فذهبتْ طائفةٌ إلى الأخذ بهذا الحديث، وقالوا: ينبغي للإمام أن يقول: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ)، يجمعهما جميعًا، ثمَّ يقول المأموم: (رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ)، خاصَّةً. وهذا قول أبي يوسف ومحمَّد بن الحسن وابن نافعٍ صاحب مالكٍ، قال الحلوانيُّ الحنفيُّ: كان شيخ شيخي يميل إليه. وقال الشافعيُّ: يجمع بينهما كالإمام. وقالت طائفةٌ: يقول الإمام: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، وكذا المنفرد، وفي «المعرفة» للبيهقيِّ: كان عطاءٌ يقول: يجمعهما الإمام والمأموم أحبُّ إليَّ. وبه قال ابن سِيرين وأبو بُرْدَة وأبو هريرة: دون الإمام، ويقول المأموم: (رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ)، وهو قول مالكٍ والليث وأبي حنيفة. وحكاه ابن المنذر عن ابن مسعودٍ وأبي هريرة والشعبيِّ والثوريِّ والأوزاعيِّ وأحمد، قال: وبه أقول، وحكى غيره عن أحمد كالأوَّل.
          حُجَّة الآخرين: قوله ╕: ((إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ))، أخرجه البخاريُّ في الباب بعده، ومسلمٌ أيضًا.
          وحُجَّة الأولين: حديث الباب وقد قال: ((صَلُّوُا كَمَا رَأَيْتُمُوْنِيْ أُصَلِّيْ))، والجواب عن حديثهم أنَّ معناه: قولوا ذلك مع ما قد عَلِمْتُمُوه من قوله: (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)، وإنَّما خصَّ هذا بالذِّكْر لأنَّه ╕ كان يجهر بالتسميع، فهم يعلمونه ولا يعرفون: ربَّنا لك الحمد؛ لأنَّه يُسِرُّ به فلذلك علَّمهم إيَّاها، واحتجَّ الثاني أيضًا بحمل الحديث على المنفرد، وإنَّما سقط: سمع الله لمن حمده للمأموم، لاختلاف حاله وحال الإمام في الصلاة، وأنَّ الإمام مجيبٌ للدعاء كما قسم الشارع الذِّكْر بين العاطس والمشمِّت، كذا قسم هذا الذِّكْر بين الإمام والمأموم، وقول الإمام: سمع الله لمن حمده، استجابةٌ لدعاء داعٍ، وقول المأموم: ربَّنا ولك الحمد على وجه المقابلة لأنَّه لا حامد له غير المؤتمِّ به في هذه الحال فلا يُشرك أحدهما صاحبه.
          وأجاب الأوَّل بأنَّه لا دلالة فيه على اختصاص ذلك بالإمام، فالمنفرد مشاركٌ له وهو إجماعٌ، وفي الدارقطنيِّ _بإسنادٍ ليس بذاك_ مِن حديث بُرَيدة، قال لي النبيُّ صلعم: ((يا بُرَيْدةُ إذا رفعتَ رأسكَ من الركُوعِ فَقُل: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ ربَّنا لكَ الحَمْدُ))، ويجوز: (ربَّنا وَلَكَ الحَمْدُ)، بالواو ودونها، ((واللهُمَّ ربَّنَا لَكَ الحَمْدُ)) كذلك، وكلَّها ثابتٌ في «الصحيح»، قال الشافعيُّ في «الأمِّ»: والإتيان بالواو في (ربَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ) أحبُّ إليَّ، قلت: لأنَّها تجمعُ معنيين: الدَّعاءَ والاعترافَ، أي: ربَّنا استجب لنا، ولك الحمد على هدايتك إيَّانا. ومذهب أبي حنيفة حذف الواو مِن قوله: (وَلَكَ الحَمْدُ). وفي «المحيط»: ((اللهُمَّ رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ))، أفضلُ لزيادة الثناء، وعن أبي حفصٍ منهم: لا فرق بين قوله: ((لَكَ))، وبين قوله: (وَلَكَ).