التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إتمام التكبير في السجود

          ░116▒ بَابُ إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ
          786- 787- ذكر فيه حديث عمران وابن عبَّاسٍ وقد سلفا في الباب قبله.
          ░117▒ بَابُ التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ
          788- 789- ذكر فيه حديث عِكْرمة السَّالف عن ابن عبَّاسٍ، وحديثًا آخر عن أبي هريرة وسيأتي قريبًا بطوله. [خ¦803]
          ░118▒ بَابُ وَضْعِ الأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ
          790- وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: أَمْكَنَ النَّبِيُّ صلعم يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ.
          هذا التعليق أخرجه مسندًا في باب سُنَّة الجلوس في التشهُّد مطولًا. [خ¦828]
          وأبو حُمَيدٍ اسمه: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالدٍ السَّاعديُّ، صلَّى في عشرة من الصحابة منهم أبو قَتَادة فصدَّقوه.
          ثمَّ ساق حديث شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: (صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ).
          وهو حديثٌ أخرجه مسلمٌ والأربعة.
          وأبو يَعْفورٍ_بالفاء_ اسمه واقدٌ، ولقبه وَقدَان، والد يونس بن أبي يعفورٍ، العبديُّ الكبير، وادَّعى النوويُّ أنَّه الصغير عبد الرحمن بن عبيد بن نِسْطاسٍ، روى عن أبي الضُّحى، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الصغير لم يذكر في الأخذ عن مصعبٍ ولا في أشياخ شُعبة.
          إذا عرفت ذلك، فإجماع فقهاء الأمصار على القول بهذا الحديث، ورُوي ذلك عن عمر وعليٍّ وسعد بن أبي وقَّاصٍ وابن عمر وجماعةٍ من التابعين، وكان ابن مسعودٍ والأسود بن يزيد وأبو عُبَيدة يطبِّقون أيديهم بين ركبهم إذا ركعوا. وقال ابن مسعودٍ: هكذا فَعَلَ رسول الله صلعم.
          قال الطَّحاويُّ: وما رُوي عن ابن مسعودٍ مِن ذلك منسوخٌ بحديث سعدٍ، ألا ترى قوله: (كُنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْهُ؟) وقال عمر: قد سُنَّت لكم الرُّكب. وكذا قال الترمذيُّ: إنَّه منسوخٌ عند أهل العلم بهذا الحديث وبقول عمر المصحَّح عنده: إنَّ الرُّكَبَ سُنَّت لكُم فَخُذوا بالرُّكَب.
          لا اختلاف بينهم في ذلك إلَّا ما رُوي عن ابن مسعودٍ وبعض أصحابه أنَّهم كانوا يطبِّقون، وبنحوه ذكره النَّسائيُّ، واستدلَّ البيهقيُّ بحديث عمرو بن مُرَّة عن خَيْثمة بن عبد الرحمن أبي سَبْرة الجعفيِّ قال: قدمتُ المدينة فجعلتُ أطبق كما يطبِّق أصحاب عبد الله، فقال رجلٌ من المهاجرين: ما يحمِلُكَ على هذا؟ قلت: كانَ عبدُ الله يفعَلُهُ ويذكر أنَّ رسول الله صلعم كان يفعلُهُ، فقال: صَدَق عبد الله، ولكنَّ رسول الله ربَّما صنع الأمرَ ثمَّ يُحْدِث الله له أمرًا، فانظر ما اجتمع عليه المسلمون فاصنعه، فكانَ بعد لا يطبِّق. قال البيهقي: وهذا الذي صار إليه موجودٌ / في وصفة أبي حُمَيدٍ ركوع رسول الله صلعم، وعند النسائيِّ من حديث أبي مسعود بن عمرٍو: ((أنَّه ركَعَ فَوضَعَ يديْهِ على رُكْبَتيه وفرَّج بين أَصَابعهِ مِن وراء رُكْبَتيه وقال: هكذا رأيتُ رسولَ الله صلعم يُصلِّي)).
          وعند أبي داود عن رِفَاعة بن رافعٍ أنَّه صلعم قال: ((وإذا ركَعْتَ فَضَع راحتيكَ على رُكْبَتيكَ)).
          وعند الحاكم على شرط مسلمٍ لمَّا بلغ سعدًا التطبيق عن عبد الله قال: ((صَدَق عبد الله، كنَّا نفعلُ هذا ثمَّ أُمرنا بهذا، ووضعَ يديه على رُكْبَتيهِ)).
          وفي «الأوسط» للطبرانيِّ: ((كانَ صلعم إذا ركَعَ وَضَع رَاحتيهِ على رُكْبَتيهِ وفرَّج بين أصابعِهِ)). وقال ابن عمر _في حديثٍ غريبٍ، قاله الحازميُّ_: إنَّما فعله الشارع مرَّةً.
          وفي كتاب «الفتوح» لسيف عن عمرو بن محمَّدٍ، عن الشعبيِّ عن مسروقٍ: ((سألتُ عائشةَ عن إطباق ابن مسعودٍ يديهِ بين ركبتيهِ فقالت: إنَّ رسول الله صلعم كانَ يَرَى مِن خَلْفه كما يَرَى من بين يديهِ، زيادةً مِن الله زادهُ إيَّاها في حُجَّته، فرأى أناسًا يصنعون كما كان يصنعُ الرُّهبان فحوَّلهم مِن ذلك إلى ما عليه النَّاس اليومَ من إطباق الرُّكَب بالأكفِّ وتفريجِ الأَصَابعِ)).
          وفي «علل الخلَّال» عن يحيى بن معينٍ: هذان ليسا بشيءٍ، يعني حديث ابن عمر وحديث محمَّد بن سيرين أنَّه ╕ ركع فطبَّق.
          قال الطَّحاويُّ: ثمَّ التمست ذلك مِن طريق النظر، فرأيت التطبيق فيه التقاء اليدين، ورأيت وضع اليدين على الركبتين فيه تفريقهما، فأردنا أن ننظر في حكم ذلك كيف هو، فرأينا السُّنَّة جاءت بالتَّجَافي في الركوع والسجود، وأجمع المسلمون على ذلك، وكان ذلك تفريق الأعضاء، وكان مَن قام إلى الصلاة أُمر بأنْ يراوح بين قدميه، وقد رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ راوي التطبيق، فلمَّا رأينا تفريق الأعضاء أولى مِن إلزاق بعضها ببعض واختلفوا في إلصاقها وتفريقها في الركوع كان النظر على ذلك أن يكون ما اختلفوا فيه من ذلك معطوفًا على ما أجمعوا عليه، ولمَّا كانت السُّنَّة: التفريق كان فيما ذكرنا أيضًا، فثبَتَ نَسْخُ التطبيق ووجوبُ وضع اليدين على الرُّكبتين.