التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من لم ير رد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة

          ░154▒ بَابُ مَنْ لَمْ يَرْدُدْ عَلَى الإِمَامِ وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ
          839- 840- وساقه مطوَّلًا وفي آخره: (ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ).
          قال ابن التين وغيره: يريد البخاريُّ أنَّ مَن كان خَلْفَه صلعم إنَّما سلَّم واحدةً يَنْوي بها الخروجَ من الصَّلاة ولم يردَّ على الإمام، ولا عن يَسَاره.
          قال الداوديُّ: وليس هذا ممَّا يُسقط السلام عن المأموم. قال: ويحتمل قوله: (وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ) أي: على الإمام، وسكت عنه لعلم السامع. وقال بعضهم في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} الآية [النساء:86]: إنَّه السلام، وهو على عمومه، وقد أمرهم صلعم أن يأتمُّوا به في أفعاله.
          قال: ومجُّه صلعم في وجه محمودٍ في الحديث لتنالهُ بركتُهُ وبركةُ ريقه.
          وقوله: (مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ) كذا في رواية أبي الحسن، وفي رواية أبي ذرٍّ: <كَانَتْ>.
          و(الدَّلو): تُذكَّر وتُؤنَّث، والتأنيث أكثر.
          وقوله: (زَعَمَ، أَنَّهُ عَقَلَ) ليس على معنى التهمة.
          قال: ((وكان ابن عمر لا يردُّ على الإمام)). وقد أسلفنا في الباب قبله كلام عمَّارٍ في ذلك. وقال النخعيُّ: إن شاء ردَّ أو لم يردَّ. ومالكٌ يرى أنَّه يردُّ، وبه قال ابن عمر في أحد قوليه وجماعةٌ من / التابعين.
          وبالردِّ قال الشعبيُّ وسالمٌ وسعيد بن المسيِّب وعطاءٌ.
          وقال ابن بطَّالٍ: أظنُّ البخاريَّ أراد بالباب الثاني ردَّ قول من أوجب التسليمة الثانية، ولم يوجبها إلَّا أحمد والحسن بن صالحٍ، وفي صِفة سلام المأموم في الردِّ روايتان: السلام عليكم، سلامٌ عليكم. رواهما أشهب، والمأموم يردُّ بالثانية على الإمام، ودليله حديث جابرٍ أنَّه صلعم قال: ((وإنَّما يَكْفِي أحدُكُم أن يضعَ يدَه على فَخِذه ثمَّ يسلِّمَ على أخيهِ مِن عن يمينه ويسلِّم مِن عن يسارهِ، ثمَّ يردُّ هُوَ عليهِ بعدَ ذلك))، فإن سلَّموا هذا فيمن عن يساره قِسْنا عليه الإمام، لأنَّه يسلِّم على من معه في صلاته، فكان حُكمه للردَّ كالمأمومين، وعندنا أنَّ الإمام ينوي السلام مِن عن يمينه ويساره من ملائكةٍ وإنسٍ وجنٍّ، والسلام على المأمومين، وهم: الردَّ عليه.
          واختُلِف فيما حكاه القاضي أبو محمَّدٍ: هل تجزئ بتسليمة الإمام عن كلِّ مَن على يساره أو يفرد المأمومين بتسليمةٍ ثالثةٍ. واخْتُلِف عن مالكٍ بأيِّهما يبدأ، فروى عنه ابن القاسم يبدأ بالإمام. وأشهب ومُطرِّف بمن عن يساره، وذكر القاضي أبو محمَّدٍ روايةً ثالثةً أنَّه مخيَّرٌ في ذلك.
          وقال ابن بطَّالٍ: الكلام في سلام الإمام والمأمومين كالكلام في إحرامهما، وقد سلف في باب: إنَّما جُعل الإمام ليؤتمَّ به واضحًا، [خ¦687] ولا شكَّ أنَّ المصلِّي لا يكون داخلًا في الصلاة إلَّا بتمام التكبير، ولا ينبغي للمأموم الدخول في صلاةٍ لم يصحَّ فيها دخول إمامه بعد، والسلام كذلك، ولا ينبغي أن يفعله المأموم إلَّا بعد إمامه لأنَّه تحليلٌ، أو بعد تقدُّمه بلفظ بعض السلام. هذا حقُّ الائتمام في اللغة أن يكون فعل المأموم تاليًا له، ألا ترى قول عِتبَان: (فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ)، وهو مقتضٍ أنَّ سلامهم كان بعد تمام سلامه، وهو الذي كان يستحبُّه ابن عمر.