التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: من استوى قاعدًا في وتر من صلاته ثم نهض

          ░142▒ بَابُ مَنِ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ نَهَضَ
          823- ذكر فيه حديث مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ أَنَّهُ (رَأَى النَّبِيَّ صلعم يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا).
          هذا الحديث دالٌّ على ما ترجم له وهو جلسة الاستراحة، وقد أوضحنا الكلام عليها في باب: مَن صلَّى بالناس وهو لا يريد إلَّا أن يعلِّمهم، في الكلام على الحديث المذكور فراجعْهُ من ثَمَّ. [خ¦677]
          وقال ابن بطَّالٍ: ذهب جمهور الفقهاء إلى ترك الأخذ بهذا الحديث وقالوا: يَنْهض على صدور قدميه ولا يجلس. رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ وابن عمر وابن عبَّاسٍ. وقال النعمان بن أبي عيَّاشٍ: أدركتُ غير واحدٍ من الصحابة إذا رفع رأسه مِن السجدة في الركعة الأولى والثالثة قام كما هو ولم يجلس، وكان النخعيُّ يُسرع القيام في ذلك.
          وقال الزُّهريُّ: كان أشياخنا يقولون ذلك.
          قال أبو الزِّنَاد: تلك السُّنَّة.
          وبه قال مالكٌ والثوريُّ والكوفيُّون وأحمد وإسحاق. وقال ابن حنبلٍ: أكثر الأحاديث على هذا. وذكره عن عمر وعليٍّ وعبد الله.
          وذهب الشافعيُّ إلى الأخذ بهذا الحديث وقال: يقعد في وترٍ مِن صلاته ثمَّ ينهض.
          قال الطحاويُّ: حُجَّة الجماعة على الشافعيِّ حديث عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ أنَّ سهلًا الساعديَّ كان في مجلسٍ فيه أبوه _وكان من أصحاب النبيِّ صلعم_ وفي المجلس أبو هريرة وأبو أُسيدٍ وأبو حميدٍ الساعديُّ والأنصار، وأنَّهم تذاكروا الصلاة. قال أبو حميدٍ: أنا أُعْلِمُكم بصلاة رسول الله. قالوا: فأرنا. فقام يصلِّي فكبَّر ورفع يديه في أوَّل التكبير، ثمَّ ذكر حديثًا طويلًا فيه: ((أنَّه لمَّا رفعَ رأسَهُ من السَّجْدةِ الثانيةِ مِن الرَّكعةِ الأولى قامَ ولم يتورَّك))، فلمَّا جاء هذا الحديث كما ذكرنا وخالفَ حديث مالك بن الحويرث، احتمل أن يكون ما فعله صلعم فيه لعلَّةٍ كانت به فقعَدَ من أجلها لا لأنَّ ذلك مِن سُنَّة الصلاة، كما كان ابن عمر يتربَّع في الصلاة، فلمَّا سُئِل عن ذلك قال: إنَّ رِجْلايَ لا تَحْمِلَاني، فكذلك احتمل أن يكون ما فعلَه صلعم مِن القعود كان لعلَّةٍ أصابته حتَّى لا يضادَّ حديث مالك بن الحويرث، وهذا أولى بنا مِن حَمْل ما رُوي عنه على التنافي والتضادِّ.
          وحديث أبي حُمَيدٍ أيضًا حكاه بحضرة جماعةٍ مِن الصحابة فلم ينكر ذلك أحدٌ منهم، فدلَّ أنَّ ما عندهم في ذلك غيرُ مخالفٍ لِمَا حكاه لهم في حديث مالك بن الحويرث مِن قول أبي أيُّوب أنَّ ما كان عمرو بن سَلِمة يفعله من ذلك لم يرَ الناس يفعلونه، وهو قد رأى جماعةً مِن جلَّة التابعين، فذلك حُجَّةٌ في دفع حديث مالك بن الحويرث أن يكون سُنَّةً.
          ثمَّ إنَّ النظر يوافق ما رواه أبو حميدٍ، وذلك أنَّا رأينا الرجل إذا خرج في صلاته من حالٍ إلى حالٍ استأنف ذكرًا، مِن ذلك أنَّا رأيناه إذا أراد الركوع كبَّر وخرَّ راكعًا، وإذا رفع رأسه مِن الركوع قال: سمعَ اللهُ لِمَن حَمِده. وإذا خرَّ مِن القيام إلى السجود كبَّر، وإذا رفع رأسه كبَّر، وإذا عاد إلى السجود كبَّر، وإذا رفع رأسه لم يكبَّر مِن بعد رفعَه رأسه إلى أن يستوي قائمًا غير تكبيرةٍ واحدةٍ، فدلَّ ذلك أنَّه ليس بين سجوده وقيامه جلوسٌ، ولو كان بينهما جلوسٌ لاحتاج إلى أن يكون يكبِّر بعد رفعِهِ رأسَه من السجود للدخول في ذلك الجلوس، ولاحتاجَ إلى تكبيرةٍ أخرى إذا نهض للقيام، فلمَّا لم يُؤمر بذلك ثَبَتَ أنْ لا قعود بين الرفع مِن السجدة الأخيرة والقيام إلى الركعة التي بعدها، ليكون ذلك وحُكم سائر الصلاة مؤتلفًا غير مختلفٍ. هذا آخر كلامه.
          ونفيه إيَّاها في حديث أبي حُمَيدٍ عجيبٌ؛ بل هي ثابتةٌ فيه؛ بل هي ثابتةٌ في البخاريِّ في حديث المسيءِ صلاتُهُ، كما ستعلمه في كتاب الاستئذان في باب: مَن ردَّ فقال: عليكم السلام. وقد أسلفنا ذلك في الموضع السالف فاستفده. [خ¦6251] /