التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل التهجير إلى الظهر

          ░32▒ باب فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الصَّلاة.
          652- 653- 654- ذكر فيه حديث أبي هُريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قال: (بَيْنَما رَجُلُ يَمْشي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَر اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ).
          ثُمَّ قَالَ: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدَم، وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللهِ).
          وَقَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ...) الحديثَ.
          كذا ذكره هنا مطوَّلًا وهو مشتمل على ثلاثة أحاديث جمعها أبو هُريرة في مساقٍ واحدٍ، ويحتمل أن يكون سمعها جملةً واحدةً فأخبر بها كما سمعها، وقد سلفَ من قوله: وَقَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ...) إلى آخره في باب الاستهام في الأذان [خ¦615]، وذكره في باب الصَّفِّ الأوَّل كما سيأتي [خ¦720]، ولم يذكر فيه الخامس وهو الشَّهيد في سبيل الله؛ وكأنَّه مِن المعلوم عندهم، ولم يذكر فيه غصن الشَّوك، وأخرجه في المظالم، وأخرج في باب الشَّهادة سبعٌ مِن كتاب الجهاد حديث الشُّهداء، وقطَّعه مسلمٌ أيضًا، / وأخرج قصَّة الغُصن في الجهاد.
          إذا عرفت ذلك فالكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدها: فيه فضل إماطة الأذى عن الطَّريق، وقد جعل صلعم في الحديث السائر إماطة الأذى عن الطَّريق مِن أدنى شُعَب الإيمان، وإذا كان كذلك وقد غُفر لفاعله، فكيف بمَن أزال ما هو أشدَّ مِن ذلك؟
          ثانيها: (شَكَرَ اللهَ تَعَالَى) أي: رضي فعله ذلك، وأثابه عليه بالأجر والثَّناء الجميل، وأصل الشُّكر الظُّهور فيكسبه الله قلبًا ليِّنًا أو تترجَّح إحدى كفَّتيه بالإماطة، وذلك علامة على الغُفْران.
          ثالثها: قوله: (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) كذا جاء في «الصَّحيح»، وفي رواية مالكٍ في «الموطَّأ» مِن حديث جابرِ بن عَتِيكٍ: ((الشهداءُ سبعةٌ سوى القتلِ في سبيلِ الله)) فذكر الخمسة المذكورة في هذا الحديث، وزاد: ((وصاحِبَ ذاتِ الجَنْبِ، والحريق، والمرأةَ تموتُ بجُمْعٍ)) وتركه الشَّيخان لاختلافٍ في إسناده، ذكره الدَّارَقُطنيُّ وابن الحذَّاء، ولابن عساكر مِن حديث ابن عبَّاسٍ تعدادُ الشُّهداء وذكر فيهم الشَّريق وأكيلة السَّبُّع، ولا تناقض بين ذلك ففي وقتٍ أوحِي أنَّهم خمسةٌ، وفي آخر: سبعةٌ، وفي آخرَ غير ذلك.
          رابعها: (المَطْعُوْنُ) مَن مات به، وهو شهادةٌ لكلِّ مسلمٍ كما صحَّ، ولم يُرد المطعون بالسِّنَان لأنَّه الشَّهيد في سبيل الله. والطَّاعون: مرضٌ عامٌّ يفسد له الهواء فتفسد الأمزِجة والأبدان. و(المَبْطُوْنُ) مَن مات بعلَّة البطن كالاستسقاء وانطلاق البطن وانتفاخه، وقيل: الذي يشتكي بطنه، وقيل: هو مَن مات بداء بطنه مطلقًا. و(الغَرِيْقُ) مَن مات غريقًا بالماء. و(صَاحِبُ الهَدَمِ) قَالَ ابن الجوزيِّ: بفتح الدَّال _يعني: المهملة_ وهو اسم ما يقع، قاله ابن الخشَّاب، وأمَّا بتسكينها فهو الفعل، والذي يقع هو الذي يقتل، ويجوز أن يُنسب القتل إلى الفعل.