التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم

          ░158▒ باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ
          851- ذكر فيه حديث عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ، قَالَ: (صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلعم بِالْمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ..) الحديث.
          الشرح: هذا الحديث ذكره البخاريُّ هنا وفي أواخر الصلاة في باب: تفكُّر الرَّجل الشيءَ في الصلاة. ولفظه: ((ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ تِبْرًا عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ _أَوْ يَبِيتَ_ عِنْدَنَا))، والزكاة في باب من أحبَّ تعجيل الصدقة في يومها، وفي الاستئذان في موضعين.
          وعُقْبة هذا هو: ابن الحارث أبو سَرْوعة، بكسر السين وفتحها ويُقال: بالفتح وضمِّ الرَّاء، أسلم يوم الفتح، وأهل النسب الزُّبير وعمُّه مصعبٌ وغيرهما يقولون: إنَّ أبا سروعة هو أخو عُقْبة بن الحارث، وإنَّهما أسلما جميعًا يوم الفتح، وعُقْبة هو الذي تولَّى قَتْل خُبَيبٍ وصَلَبه. كذا في البخاريِّ كما ستعلمه، وكذا ذكر مسلمٌ أنَّ أبا سَرْوعة اسمه عُقْبة بن الحارث.
          وقال أبو حاتمٍ: أبو سَرْوعة قاتلُ خُبَيبٍ، له صحبةٌ، اسمه: عُقْبة بن الحارث، وليس هو عندي بعقبة بن الحارث الذي روى عنه ابن أبي مليكة. كذا قال في «الكنى». وقال في موضعٍ آخر: عُقْبة بن الحارث بن عامر أبو سَرْوعة له صحبةٌ، روى عنه ابن أبي مليكة، أخرج له البخاريُّ ثلاثة أحاديث، وأخرج له أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ.
          وعمر بن سعيدٍ الراوي عنه هو ابن أبي حسينٍ النَّوفليُّ، ثقةٌ، روى له الجماعة إلَّا أبا داود، ففي «مراسيله».
          وشيخ البخاريِّ: محمَّد بن عُبَيد بن ميمونٍ هو العلَّاف التبَّان المدينيُّ القرشيُّ، روى عنه ابن ماجه أيضًا. قال أبو حاتمٍ: شيخٌ. وقال ابن حبَّان: ربَّما أخطأ.
          وقوله: (فَفَزِعَ النَّاسُ) سببهُ أنَّهم كانوا إذا رأوا منه غير ما يَعْهدون تخوَّفوا أن يكون أُتِي فيهم بشيءٍ.
          وقوله: (فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ) سببه إمَّا علمه بأنَّهم قد فزعوا، أو لعلَّه يفرِّقه عليهم قبل أن يتفرَّقوا، والتِّبر: قِطَع الذهب. قيل: والفضَّة. قيل: جميع ما يُستخرج من المعدن قبل أن يُضرب دنانير. والقطعة منه: تبرةٌ. قال تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} [الأعراف:139] أي: منقطعٌ ذاهبٌ. وقيل: مِن التِّبر، وهو الهلاك والتبديد. وقيل: لأنَّ صاحبه يلحقه مِن التعزيز ما يُوْجِب هلاكه، فهو مِن التَّبار، وهو الهَلَاك.
          وقوله: (فَيَحْبِسُنِيْ) أي: يَشغلُ ضميري فيحبسه عمَّا يريده من الأعمال. وقيل: يحبسني في الآخرة. حكاه ابن التين.
          وأمَّا حُكم الباب فالتخطِّي لِمَا ترجم له مباحٌ، ومثله ما لا غنى للإنسان عنه كإزالةٍ لحقنةٍ ورعافٍ، والمكروه إذا كان في موضعٍ يشغل الناس فيه عن الصلاة أو عن سماع الخطبة فهو مكروهٌ لأجل ذلك.
          وفيه أنَّ مَن حَبَسَ صَدَقة المسلمين من وصيَّةٍ أو زكاةٍ أو شبههما يُخاف عليه أن يحبس في القيامة لقوله صلعم: (كَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِيْ) يعني: في الآخرة، وفيه السرعة للحاجة المهمَّة، ولعلَّه صلعم أسرع لئلَّا ينسى ما أراد فعله، أو لعلَّه فعل ذلك ليفرِّقه عليهم قبل تفرُّقهم كما سلف.
          قال الداوديُّ: وفيه أنَّه كان لا يمسك شيئًا من الأموال غير الرباع، كما في الحديث الآخر: ((ما يسرُّني أنَّ لي مِثلَ أُحُدٍ ذهبًا يمرُّ عليَّ ثلاثٌ وعِنْدي منه شيءٌ، إلَّا شيئًا أَرْصُدُه لدينٍ)).
          وفيه: أنَّ من وَجَب عليه فرضٌ فالمبادرة إليه أفضل.