التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: أهل العلم والفضل أحق بالإمامة

          ░46▒ باب أَهْلُ العِلْمِ وَالْفضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ.
          678- ذكرَ فيه حديث أبي بكرٍ في مرضه عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام، وقد سلف ذلك في باب حدِّ المريض أن يشهد الجماعة [خ¦664].وَقَالَ البخاريُّ في آخره: تابعه _يعني يونس في روايته عن الزُّهريِّ عن حمزةَ بن عبد الله عن أبيه_ الزُّبيديُّ وابن أخي الزُّهريِّ وإسحاق بن يحيى الكلبيُّ عن الزُّهريِّ. وَقَالَ عَقيلٌ ومَعمرٌ عن الزُّهريِّ عن حمزةَ عن النَّبِيِّ صلعم، يعني: مُرسلًا، فالزُّهري اختُلف عليه فيه كما ترى، والحديث الأوَّل مِن أحاديث الباب هو مِنْ طريق أبي بُردةَ عن أبي موسى يأتي في أحاديث الأنبياء أيضًا [خ¦3385]، وأخرجه مسلمٌ وسلف هناك مِن طريق الأسوَد عن عائشة.
          679- والثاني: مِن حديث هشامٍ عن أبيه عن عائشةَ، وأخرجه مسلمٌ أيضًا.
          680- والثالث: مِن حديث الزُّهريِّ عن أنسٍ، وأخرجه مسلمٌ أيضًا.
          681- والرابع: مِن حديث عبد العزيز عن أنسٍ، وأخرجه مسلمٌ أيضًا، وشيخ البخاريِّ فيه (أبو مَعمَرٍ) وهو عبد الله بن عمرٍو المُقعَد، ليس إسماعيل بن إبراهيم بن مَعْمَرٍ، ذاك آخر وهو مِن شيوخه أيضًا مات سنة ستٍّ وثلاثين ومائتين، والمُقعَد مات سنة أربعٍ وعشرين.
          682- وحديث حمزةَ بن عبد الله عن أبيه شيخُ البخاريِّ فيه (يحيى بن سُليمان) وهو الجُعفيُّ الكوفيُّ نزيل مصرَ، انفرد به البخاريُّ عن الخمسة، مات سنة ثمانٍ أو تسعٍ وثلاثين ومائتين. و(الزُّبَيديُّ) محمَّد بن الوليد الحمصيُّ مات سنة ثمانٍ وأربعين ومائةٍ، سنةَ ماتَ الأعمشُ. و(ابن أخي الزُّهريِّ) محمَّد بن عبد الله بن مُسلمٍ قتله غلمانه بأمر ولده في خلافة أبي جعفرٍ. وتوهَّم ابن بطَّالٍ أنَّ حمزةَ هذا هو حمزةُ الأسلميُّ فقال: روَته عائشةُ وأنسٌ وحمزة الأسلميُّ. وهو عجيبٌ! وإنَّما هو حمزةُ بن عبد الله بن عمرَ بن الخطَّاب.
          واختلف العلماء فيمن أَولى بالإمامة: فقالت طائفةٌ: الأفقهُ، وبه قَالَ أبو حنيفة ومالكٌ والشَّافعيُّ والجمهور. وَقَالَ / أبو يوسفَ وأحمدُ وإسحاقُ: الأقرأ، وبه قَالَ ابن سِيرينَ وبعض الشَّافعيَّة، ولا شكَّ في اجتماع هذين الوصفَين في حقِّ الصِّدَّيق كما سلف في الباب المشار إليه، ألا ترى إلى قول أبي سعيدٍ: وكان أبو بكرٍ أعلمنا؟ ومراجعة الشَّارع بأنَّه هو الَّذي يصلِّي يدلُّ على ترجيحه على جميع الصَّحابة وتفضيله. وحديث أبي مسعودٍ البدريِّ الثَّابت في مسلمٍ: ((يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله)) لا يخالف ما نحن فيه؛ لأنَّه لا يكاد يوجد إذ ذاك قارئٌ إلَّا وهو فقيهٌ، وبعضهم أجاب بأنَّ تقديم الأقرأ كان في أوَّل الإسلام حين كان حفَّاظ القرآن قليلًا، وقد قُدِّم عمرو بن سَلِمة وهو صغيرٌ على الشُّيوخ لذلك، وكان سالمٌ يؤمُّ المهاجرين والأنصار في مسجد قُباء حين أقبلوا مِن مكَّة لعدم الحُفَّاظ حينئذٍ. وفي الحديث أيضًا أنَّ الإمام إذا عرض له عذرٌ مِن حضور الجماعة استخلف مَن يصلِّي بهم، وأنَّه لا يستخلف إلَّا أفضلهم.
          وقوله: (كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ) لا شكَّ أنَّه ◙ كان وجهه أبيضَ مشربًا حمرةً، فلمَّا اشتدَّ مرضه غلب البياض الحمرة.
          وقوله: (فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُهُ) أي: ظهر. ويحتمل كما قَالَ ابن التِّين أنْ يريد: ظهر لنا بياضه وحسنُه؛ لأنَّ الوضَّاح عند العرب: هو الأبيض اللَّون الحسنُه.
          وقوله: (فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلعم) أي: نذهل مِن الفرح برؤيته.
          وقوله: (ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ) إنما كان فرحًا بما رأى مِن اجتماعهم في مغيبه وإقامة الشريعة، ويجوز أن يكون مِن باب التَّأنيس لهم.