التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب حد إتمام الركوع والاعتدال فيه والاطمأنينة

          ░121▒ بَابُ حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فِيهِ وَالاطْمَأْنِينَةِ. /
          792- ذكر فيه حديث ابن أبي لَيْلى، عن البَرَاء قَالَ: (كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صلعم وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، مَا خَلاَ القِيَامَ وَالقُعُودَ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ).
          هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا.
          وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى يسارٍ، وقيل: بلالٌ. وهو دالٌّ على طول الطمأنينة فيما ذُكر من الأركان، واعترض ابن المنيِّر فقال: الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأنَّ المذكور فيها الاستواء والاعتدال، والحديث إنَّما فيه تساوي الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين، اللهُمَّ إلَّا أن نأخذه من جهة أنَّ المتأنِّي المطمئنَّ في غالب الحال يستقرُّ كلُّ عضوٍ منه مكانه، فيلزم الاعتدال.
          وقوله: (قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ) دالٌّ على أنَّ بعضها كان فيه طولٌ يسيرٌ على بعضٍ، وذلك في القيام والتشهُّد لأنَّه يقتضي إمَّا تطويل مَا العادة فيه التخفيف، أو تخفيف ما العادة فيه التطويل في القيام كقراءة ما بين الستِّين إلى المائة في الصبح وغيرها ممَّا تقدَّم، ويوافق هذا أنَّ مسلمًا لم يعدَّ في روايته القيام بخلاف رواية البخاريِّ السَّالفة فإنَّها شاملةٌ لقيام القراءة والاعتدال ولقعود التشهُّد والجلوس بين السجدتين، فيُجاب بأنَّها باعتبار أحوالٍ، ففي وقتٍ يخفِّف وآخر يطوِّل، وذهب بعضهم إلى أنَّ التخفيف هو المتأخِّر من فعله بعد ذلك التطويل، وأبعدَ من وهَّم رواية القيام، ثمَّ الحديث يوافق المختار أنَّ الاعتدال ركنٌ طويلٌ حتَّى يجوز إطالته بالذكر، وإن كان المجزوم به في المذهب أنَّه قصيرٌ، والجمهور _كما قال الإمام_ أنَّ الجلوس بين السجدتين طويلٌ أيضًا، خلاف ما وقع في «المحرَّر» ومن تبعه.
          وقد أوضحتُ ذلك في كتب الفروع و«شرح العمدة» أيضًا.
          وقال المهلَّب: هذه الصِّفة أكملُ صفات صلاة الجماعة، وأمَّا صلاة الرجل وحدَهُ فله أن يطوِّل في الركوع والسجود أضعافَ ما يطوِّل في القيام بين السجدتين، وبين الركعة والسَّجدة.
          وأمَّا أقلُّ ما يُجْزِئ من ذلك كما قال ابن مسعودٍ: إذا أمكن الرجل يديه مِن ركبتيه فقد أجزأه، وكانت ابنةٌ لسعدٍ تُفرِّط في الركوع، تطأطأً منكرًا، قال لها سعدٌ: إنَّما يكفيكَ إذا وضعتَ يديكَ على ركبتيكَ.
          وقاله ابن سيرين وعطاءٌ ومجاهدٌ، وهو قول عامَّة الفقهاء.