التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إذا لم يتم الركوع

          ░119▒ بَابُ: إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ
          791- ذكر فيه حديث حذيفة (أنَّه رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَلا السُّجُودَ، فقَالَ: مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللهُ مُحَمَّدًا عَلَيْهَا).
          هذا الحديث من أفراد البخاريِّ وفي حديث أبي وائلٍ: ((عَلَى غيرِ سُنَّة محمَّدٍ صلعم)). وللنسائيِّ: ((منذُ كم صلَّيت هذه الصَّلاة؟ قال: منذُ أربعينَ عامًا)).
          ولأبي نعيمٍ: ((رأى رَجُلًا يُخِفُّ صَلَاته)). الحديث.
          وللترمذيِّ من حديث أبي مسعودٍ مصحَّحًا: ((لا تجزئ صلاةٌ لا يُقِيم الرَّجُل فيها صُلْبَه في الركوع والسُّجُود)).
          وللطبرانيِّ في «أوسط معاجمه» من حديث أبي قتادة: ((أسوأُ النَّاسِ سرقةً الذي يَسْرقُ مِن صلاته))، قالوا: يا رسول الله، وكيف يَسْرق منها؟ قال: ((لا يُتِمُّ ركوعَها ولا سُجُودَها)).
          ولابن خُزيمة مِن حديث عمرو بن العاصي وغيره: ((إنَّما مَثَلُ الذي يصلِّي ولا يَرْكَع ويَنْقر في سُجُوده كالجائع لا يأكلُ إلَّا مرَّةً أو مرَّتين فما تُغْنِيان عنه، فأتمُّوا الرُّكُوعَ والسُّجُود)).
          وفي «الحدائق» لابن الجوزيِّ من حديث عمر: ((ما مَن مُصَلٍ إلَّا ومَلَكٌ عن يمينهِ ومَلَكٌ عن يساره، فإنْ أتَّمها عَرَجا بها، وإن لم يتمَّها ضَرَبا بها وَجْههُ)).
          إذا عرفت ذلك، فالفطرة هنا: الدين والملَّة، وإن كانت تطلق على الجِبلَّة وغيرها، وسمَّى الصلاة فطرةً، لأنَّها أكبر عُرَى الإيمان. قال المهلَّب: نفى عنه الفعل بما انتفى عنه من التجويد.
          وهذا معروفٌ في لسان العرب كما قال صلعم: ((لا يَزْنِي الزَّاِني حينَ يَزْني وَهُوَ مُؤْمنٌ))، نفى عنه بقلَّة التجويد للإيمان اسمه.
          وكذا قول حذيفة للرجل: (مَا صَلَّيْتَ) أي: صلاةً كاملةً. وأراد تبكيته وتوبيخه على فعله ليرتدع، وإنما خصَّ الركوع والسجود لأنَّ الإخلاص غالبًا يظهر فيهما.
          واختلف العلماء في الطمأنينة:
          هل هي فرضٌ أو سُنَّةٌ؟ على قولين، والذي ذهب إليه جماعة فقهاء الأمصار: الشافعيُّ، وأحمد، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، وإسحاق، وابن وهبٍ، وداود، والطبريُّ الأوَّل.
          وقال أبو حنيفة: يكفيه في الركوع أدنى انحناءٍ، ولا تجب الطمأنينة في شيءٍ مِن الأركان محتجًّا بقوله: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77] وقال أبو يوسف: الفرض المكث مقدار تسبيحةٍ واحدةٍ، وفي «تخريج الجرجانيِّ»: الطمأنينة في الركوع والقَومة والسجود، والجلسة بين السجدتين عند أبي حنيفة ومحمَّدٍ سُنَّةٌ.
          وفي «تخريج الكرخيِّ»: واجبٌ يجب سجود السهو بتركها. وفي «الجواهر» لو لم يرفع في ركوعه وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم، ولم تجب في رواية عليِّ بن زيادٍ في السَّاهي. وابن القاسم فيمن رفع من الركوع والسجود ولم يعتدل يُجْزئه ويستغفر الله ولا يعود، ولأشهب: لا يُجْزئه، وسيأتي الكلام على المسألة إن شاء الله في موضعه قريبًا. [خ¦792]