التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الدعاء عند النداء

          ░8▒ باب الدُّعَاءِ عِنْد النِّدَاءِ. ذكر فيه حديث عَلِيِّ بن عَيَّاشٍ حدثَنَا شُعَيبُ بْنُ أَبِي حَمزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ...) الحديثَ.
          والكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أورده هنا وفي سورة سُبحانَ مِن التَّفسير، وأخرجه الأربعة ولم يخرِّجه مسلمٌ، وَقَالَ التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِن حديث محمَّد بن المُنكَدر، لا نعلم أحدًا رواه غير شُعَيب بن أبي حَمزَة.
          ثانيها: (النِّداء): الأذان، والمراد بـ (الدَّعوة التَّامة): دعوة الأذان سُمِّيت بذلك لكمالها وعظم موقعها، فلا نقص فيها ولا عيب لانتفاء الشَّركة فيه. و(الصَّلاة القائمة) أي: التي تقوم، أي: تُقام وتُفعل بصفاتها، وقيل: إنَّها الدُّعاء بالنِّداء لأنَّ الدُّعاء يُسمَّى صلاةً، و(الوسيلة): القُربة.
          وفي «صحيح مسلمٍ» مِن حديث عبد الله بن عمرٍو: ((إنَّها منزلةٌ في الجنَّة لا تنبغي إلَّا لعبدٍ مِن عبادِ الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمَن سألَ لي الوسيلةَ حلَّت عليه الشَّفاعةُ)). وقيل: إنَّها الشَّفاعةُ، وقيل: القرب مِن الله تعالى، والمقام المراد به مقام الشَّفاعة العُظمى الَّذي يحمده فيه الأوَّلون والآخرون.
          وقوله: (مَقَامًا مَحْمُودًا) كذا هو بالتَّنكير فيهما، وهو موافقٌ لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:79].
          ووقع في «صحيح أبي حاتم بن حِبَّان» بسند ابن خُزَيمة بالتعريف فيهما، وكذا أخرجها البيهقيُّ أيضًا في «سننه» وعزاها إلى البخاريِّ، ومراده: أصل الحديث كما هو معروفٌ مِن عادته، وسؤال هذا المقام مع أنَّه موعودٌ به لشرفه وكمال منزلته، وعظم حقِّه ورفيع ذكره.
          وقوله: (الَّذِي وَعَدْتَهُ): يجوز أن يكون بدلًا ومنصوبًا بأعني، ومرفوعًا خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هو الَّذي وعدته.
          ومعنى (حلَّتْ لَهُ): غشيته ونالته، و(له) بمعنى: عليه، كما في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ} [الإسراء:107]، ويؤيِّده رواية مسلمٍ السَّالفة: ((حلَّت عليه))، وقيل: وجبت له. قَالَ تعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} [طه:81] مَن قرأه بالضَّمِّ أراد: ينزل، ومَن قرأه بالكسر قَالَ: وجب.
          ثالثها: فيه: استحباب الدُّعاء المذكور لكلِّ سامعٍ وللمؤذِّن أيضًا.