التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب وضع اليمنى على اليسرى

          ░87▒ باب وَضْعِ اليُمْنَى على اليُسْرى في الصَّلَاةِ.
          740- ذكر فيه حديث سهل بن سعدٍ قَالَ: (كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى على ذِرَاعِهِ اليُسْرى فِي الصَّلاَةِ). قَالَ أبو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إلَّا يَنْمِي ذلِكَ إلى رسولِ الله صلعم. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذلك، وَلَمْ يَقُلْ: يَنْمِي.
          هذا الحديث مِن أفراد البخاريِّ، و(إسماعيلُ) هذا يشبه أن يكون إسماعيلَ بن إسحاق الرَّاوي عن القَعنَبيِّ، كما أخرجه البيهقيُّ مِن طريقه وَقَالَ: يُنمَى ذلك أو كلمةً تُشبهها. زاد الدَّارقُطنيُّ في «موطَّآته»: وَقَالَ يوسف عن مالكٍ: يرفع ذلك. وَقَالَ ابن وَهبٍ: (يَنمي) يعني: يرفع. وَقَالَ أبو العبَّاس أحمد بن طاهرٍ الدَّانيُّ في «أطراف الموطَّأ»: هذا حديثٌ معلولٌ لأنَّه ظنٌّ وحُسبان. وَقَالَ ابن الحَصَّار في «تقريب المدارك»: هذا يدخل في المسند وإن بقي في النفس منه شيءٌ، ويعضده أحاديث كثيرةٌ في الباب منها حديث قَبيصةَ بن هُلْبٍ عن أبيه أخرجه ابن ماجه، والتِّرمذيُّ وحسَّنه، وصحَّحه ابن حِبَّان. وَقَالَ ابن عبد البَرِّ: فيه آثارٌ ثابتةٌ عن النَّبِيِّ صلعم منها هذا الحديث، ومنها حديث وائلٍ في مسلمٍ، ومنها حديث ابن مسعودٍ في ابن ماجه، وهو حديثٌ صحيحٌ كما قَالَ ابن القطَّان وغيره، ومنها حديث جابرٍ صحَّحه ابن القطَّان، وغير ذلك مِن الأحاديث. وعن عليٍّ في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2] قَالَ: وضع اليمين على الشِّمال في الصَّلاة تحت الصَّدر. أخرجه الدَّارَقُطنيُّ. وإنَّما لم يُذكر في حديث المسيء صلاته لأنَّه علَّمه الواجبات.
          أمَّا حكم الباب فهو سنَّة عندنا، وبه قَالَ الصِّدِّيق وعليُّ بن أبي طالبٍ وأبو هريرةَ وعائشةَ وآخرون مِن الصَّحابة، وسعيدُ بن جُبَيرٍ والنَّخَعيُّ وأبو مِجلَزٍ وآخرون مِن التَّابعين، وسفيان الثَّوريُّ وأبو حنيفةَ وأصحابه وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ وداودُ وأبو عُبَيدٍ وابن جَريرٍ وجمهور العُلماء.
          قَالَ التِّرمذيُّ: والعمل على هذا عند أهل العلم مِن الصَّحابة والتابعين ومَن بعدهم. وحكى ابن المُنذر عن عبدالله بن الزُّبَير والحسن البصريِّ والنَّخَعيِّ أنَّه يرسلهما، وحكاه القاضي أبو الطَّيِّب أيضًا عن ابن سِيرينَ. وحكى ابن حزمٍ عن ابن سِيرينَ عدمَه. وَقَالَ اللَّيث: يرسلهما فإنْ طال ذلك عليه وضع اليُمنى على اليُسرى للاستراحة. وَقَالَ الأوزاعيُّ: هو مخيَّرٌ بين الوضع / والإرسال. والأشهر عن مالكٍ الإرسالُ؛ لأنَّ الأخذ عملٌ في الصَّلاة، وربَّما يغفلُ صاحبه، وربَّما دخله ضربٌ مِن الرِّياء، والخشوعُ هو الإقبال على الله والإخلاصُ ولا يُسلَّم أنَّ وضعهما منه. وفي «المدوَّنة»: يُكره فعله في الفرض دون النَّفل إذا طال القيام. وروى ابن بطَّالٍ عن سعيد بن جُبَيرٍ أنَّه رأى رجلًا يصلِّي واضعًا يمينه على شماله، فذهب ففرَّق بينهما.
          وإذا قلنا بأخذ اليسار باليمين فيكون ذلك تحت الصَّدر وفوق السُّرَّة لحديث وائلِ بن حُجْرٍ قَالَ: ((صلَّيت مع النَّبِيِّ صلعم فوضعَ يدَه اليُمنى على يدِه اليُسرى على صدرِه)) رواه ابن خُزَيمة في «صحيحه»، وللبزَّار: ((عند صدره)). وَقَالَ أبو إسحاق المَروزيُّ: يجعل يديه تحت سرَّته. وفيه حديثٌ في الدَّارقُطنيِّ ضعيفٌ، وبه قَالَ أبو حنيفةَ، وحُكي عن أحمدَ أيضًا، وَقَالَ ابن المُنذر _في غير «الإشراف» وأظنُّه في «الأوسط» _: لم يثبت في ذلك شيءٌ عن رَسُولِ الله صلعم، فهو مخيَّرٌ بينهما. وَقَالَ التِّرمذيُّ: كلُّ ذلك واسعٌ عندهم.
          فعلى الأوَّل: يضع كفَّ يمينه على يساره قابضًا كوعَها وبعض رُسغها _وهو المفصل_ وساعِدها. قَالَ القفَّال: ويتخيَّر بين بسط أصابع يمينه في عرض المفصل وبين نشرها في صَوب السَّاعد. وقيل: يضع كفَّه اليمنى على ذراعه الأيسر، قاله بعض الحنفيَّة. والأصحُّ عندنا أنَّه يحطُّ يديه بعد التَّكبيرة تحت صدره. وقيل: يرسلهما ثمَّ يستأنف وصلهُما إلى تحت صدره. وعند محمَّد بن الحسن: يضعهما بعد الثَّناء. وَقَالَ الصَّفَّار: يرسلهما إلى أن يفرغ مِن الثَّناء والتَّسبيح. قَالَ الشَّافعيُّ في «الأمِّ»: والقصد مِن وضع اليمين على اليسار تسكينُ يدَيه، فإنْ أرسلهما ولم يعبَث فلا بأس. وادَّعى المتولِّي أنَّ ظاهر المذهب أنَّ إرسالهما مكروهٌ.