التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب القراءة في المغرب

          ░98▒ بَابُ القِرَاءَةِ فِي المَغْرِبِ
          763- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ، هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ [ص:153] مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم يَقْرَأُ بِهَا فِي المَغْرِبِ.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا وله: ((ثمَّ ما صلَّى بَعْدَها حتَّى قَبَضَهُ اللهُ ╡)).
          وأخرجها البخاريُّ في كتاب: المغازي، وقال: ((ثمَّ ما صَلَّى لَنَا بَعْدَها)).
          وأخرجه الترمذيُّ بلفظ: ((خرجَ إلينا رسولُ الله صلعم وهو عاصِبٌ رَأْسَهُ في مرضِهِ فصلَّى المغربَ بالمرسلات، فَمَا صلَّى بَعْدَها حتى لَقِيَ اللهَ ╡))، وأخرجه النسائيُّ بلفظ: ((صلَّى بنا في بيتِهِ المغرب فَقَرأَ بالمرسلات، وما صلَّى بعْدَها صلاةً حتَّى قُبض صلعم)). وفي «الأوسط»: ((ثمَّ لم يُصَلِّ لنا عشاءً حتَّى قُبِضَ)).
          764- وذكر البخاريُّ في الباب أيضًا حديث ابن أبي مُلَيكة عن عروة عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابتٍ: ما لك تقرأ في المغرب بِقِصَار المفصَّل، وقد سمعتُ رسول الله صلعم يقرأ بِطُولى الطُّولَيَين؟! وهو من أفراده.
          وقول الحاكم في «مستدركه» أنَّه ممَّا اتَّفقا عليه مِن أوهامه، ورواه أبو داود، كذلك قال: قلت ما طُولى الطُّولَيين، قال: الأعراف، ونقله ابن بطَّالٍ عن العلماء، وقال ابن أبي مُلَيكة من قبل نفسه: الأعراف والمائدة.
          وفي البيهقيِّ عنه أنَّه قال: ما طُولى الطُّوليين؟ قال: الأنعام والأعراف.
          وفي «أطراف ابن عساكرٍ»: قيل لعروة: ما طُولى الطُّولَيين؟ قال: الأعراف ويونس، ورواه النسائيُّ وابن حبَّان في «صحيحه» من حديث أبي الأسود سمع عُرْوة، قال زيدٌ لمروان: أبا عبد الله، تقرأ في المغرب بـ{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] و{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1].
          قال زيدٌ: فحلفتُ بالله لقد رأيتُ رسول الله صلعم يقرأُ فيها بأطولِ الطُّوليين وهي {المص} [الأعراف:1].
          قال ابن القطَّان: ففي هذا أنَّ عُرْوة سمعه من زيد بن ثابتٍ، ووقع في أبي داود بينهما مروان، أي: وكذا في البخاريِّ كما سلف، وما مثله يصحُّ؛ لأنَّه قد علَّل حديث بُسرَة بذلك مع أنَّه قد زال فيه كما زال هنا، فيكون سمعه بعد أن حدَّثه مروان عنه، أو حدَّثه به زيدٌ أوَّلًا، وسمعه أيضًا من مروان، فصار يحدِّث به على الوجهين. إذا تقرَّر ذلك:
          فالطُّولى: وزن فُعلى تأنيثُ أطول، وقد سلف كذلك في روايةٍ. والطُّولَيَيْنِ: تثنية الطُّولى، وطُولَى الطُّولَيَينِ: يريد: أطول السورتين.
          قال الخطَّابيُّ: وبعض المحدِّثين يقول: بطول الطِّوَلَيَين _بكسر الطاء وفتح الواو_ وهو خطأٌ فاحشٌ، إنَّما الطِّوَل الحبل، وليس هذا موضعه.
          وكذا قال ابن الجوزيَّ: أصحاب الحديث يَرْوونه: بطُولِ، وهو غلطٌ، إنَّما هو بطُولى على وزن فُعلى. فإن قلت: هل يجوز أن تكون البقرة؛ لأنَّها أطول السبع الطِّوال؟ فالجواب: أنَّه لو أرادها لقال: بطولِ الطُّوَل. ثمَّ الحديثان المذكوران ظاهرانِ / فيما ترجم له البخاريُّ ☼.
          قال ابن بطَّالٍ: ويُحْتَمل أن يكون قرأها في الركعتين، لأنَّه لم يَذْكر أنَّه قرأ معها غيرَها. قلت: صرَّح به زيد بن ثابتٍ في روايته: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلعم كان يقرأُ في المغرب بسورة الأعراف في الركعتين كلتيهما))، رواه الحاكم وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين إن لم يكن فيه إرسالٌ.
          قلت: وفي «الصحيحين» قراءته ╕ في المغرب بالطُّور، كما ذكره البخاريُّ بعدُ.
          وفي ابن ماجه بإسنادٍ صحيحٍ من حديث ابن عمر قراءته فيها بـ{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1].
          وفي الطَّبرانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ أنَّه أمَّهم فيها بـالتِّين والزيتون، وخرَّجه ابن حبَّان في «صحيحه» بنحوه. وعند ابن بطَّالٍ عن الشعبيِّ عنه: قرأ ╕ في المغرب بالتِّين والزيتون.
          وفي «صحيح ابن حبَّان» من حديث جابر بن سَمُرَة قراءته ╕ فيها ليلة الجمعة بـ{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] و{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]. وقراءته في العشاء الآخرة ليلة الجمعة بالجمعة والمنافقين فاستفده.
          وفي الأحاديث _غير ذلك_ بالصافَّات وبالدخان وبالبقرة. وعند أبي داود: أنَّ عُرْوةَ بن الزُّبير كان يقرأُ في صلاة المغرب بنحوٍ ممَّا يقرؤون العادياتِ ونحوها من السور. قال أبو داود: هذا يدلُّك على أنَّ ذاك منسوخٌ.
          وللنسائيِّ عن أبي هريرة قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاةً برسول الله صلعم من فلانٍ، فذكر أنَّه كان يقرأ في الأُولَيين من صلاة المغرب بقِصَار المفصَّل. وعند ابن شاهين: كتبَ عمر إلى أبي موسى الأشعريِّ أن اقرأ في الصبح بطِوال المفصَّل، وفي الظهر بأوساطه، وفي المغرب بقِصَاره، وبنحوه ذكره ابن أبي شيبة في «مصنَّفه».