التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عقد الثياب وشدها

          ░136▒ بَابُ عَقْدِ الثِّيَابِ وَشَدِّهَا، وَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ، إِذَا خَافَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ.
          814- ذكر فيه حديث أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةِ بنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلٍ، وقد سلف في باب إذا كان الثوب ضيِّقًا. [خ¦362]
          ░137▒ بَابُ لاَ يَكُفُّ شَعَرًا وَلَا ثَوبًا.
          815- ذكر فيه حديثَ ابنِ عبَّاسٍ: (أُمِرَ النَّبِيُّ صلعم أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلاَ يَكُفَّ ثَوْبَهُ وَلاَ شَعَرَهُ).
          ░138▒ بَابُ لاَ يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلاَةِ
          816- ذكر فيه حديث ابن عبَّاسٍ أيضًا عن النَّبِيِّ صلعم قال: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَة أَعْظُمٍ، ولاَ أَكُفُّ شَعَرًا وَلاَ ثَوْبًا).
          وقد أخرجهما مسلمٌ أيضًا وعنده: ((ولا نكفِتُ الثِّيابَ ولا الشَّعر)) وهما بمعنى واحدٍ، وهو الجمع والضمُّ. وفي الحديث: ((اكْفِتوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ)) ومنه {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات:25].
          وقال ابن الأثير: قوله: (لاَ أَكُفُّ..) إلى آخره: يعني: في الصلاة، ويحتمل أن يكون بمعنى: لا أمنعهما من الاسترسال حال السجود ليقعا على الأرض، قال: ويُحْتَمل أن يكون بمعنى: الجمع. أي: لا يضمُّهما ويجمعُهما.
          وقد اتَّفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبُه مشمَّرٌ وكمُّه ورأسه معقوصٌ أو مردودٌ شَعْره تحت عمامته أو نحو ذلك، وهو كراهة تنزيه، ولو صلى كذلك فقد أساء وصحَّت صلاتُهُ.
          وحكى الطبري في ذلك إجماع الأمَّة، قال: مع أنَّه غير جائزٍ أن يصلِّي على تلك الحالة. قال: وممَّن رُوي عنه ذلك مِن السلف عليٌّ وابن مسعودٍ وحذيفة وابن عمر وأبو هريرة، وكان ابن عبَّاسٍ إذا سجَدَ يقع شَعرُه على الأرض. وقال ابن عمر لرجلٍ رآه يسجدَ معقوصًا شَعْرُهُ: أرسلهُ يَسْجُدْ مَعَك.
          وقال ابن المنذر: على هذا قول أكثر أهل العلم غير الحسن البصريِّ فإنَّه قال: مَن صلَّى عاقصًا شَعْره أو كافًّا ثوبَهُ فعليه إعادة الصلاة.
          قلت: وفي أفراد «صحيح مسلم» مِن حديث ابن عبَّاسٍ أنَّه رأى عبد الله بن الحارث يصلِّي ورأسه معقوصٌ، فقام مِن ورائه فجعل يحلُّه، فلمَّا انصرف أقبل على ابن عبَّاسٍ فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إنِّي سمعت رسول الله صلعم يقول: ((إنَّما مَثَلُ هذا مَثَلُ الذي يصلِّي وهو مَكْتُوفٌ)).
          وفي «سنن أبي داود» بإسناد / جيِّدٍ: رأى أبو رافعٍ الحسن بن عليٍّ يصلِّي قد غرز ضفيرته في قفاه، فحلَّها وقال: سمعتُ رسول الله صلعم يقول: ((ذلك كِفْل الشَّيْطان))، أو قال: ((مقعدُ الشَّيطان)) يعني: مَغْرز ضفيرته.
          وقال ابن التين: هذا مبنيٌّ على الاستحباب وليس مِن الوجوب وذلك إذا صنع ذلك من أجل الصلاة، فأمَّا إذا فعله لشغلٍ فحَضَرتِ الصلاة فلا بأس أن يصلِّي كذلك.
          وقال أبو جعفر: إذا كان ينوي أن يعود لعمله.
          وأجمع الفقهاء أنَّه يجوز السجود على اليدين في الثياب، وإنَّما كرهه سالمٌ وأبوه وبعض التابعين لأنَّ اليدين حُكمهما حُكم الوجه لا حُكم الرُّكبتين، وقياسًا على أنَّ اليدين مِن المرأة تبعٌ للوجه في كشفهما في الإحرام فكذلك اليدان مع الوجه في كشفهما في السجود.
          وحُجَّة الجماعة ما رواه يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعودٍ، عن أبيه ((أنَّ النبيَّ صلعم نَهَى أن يكشف الثوب عن يدِهِ إذا سَجَد)).
          وقال الحسن: كان أصحاب رسول الله صلعم يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ذكرَه ابن أبي شيبة.
          وإجماع الأمَّة على جواز السجود على الركبتين مستورتين لأنَّهما إمَّا عورةٌ وإمَّا أنَّهما مظنَّةُ كَشْفها.
          ولا نعلم أيضًا خلافًا في القدمين لأنَّه صلعم كان يُصلِّي وهو لابسٌ الخفَّ، وللشافعيِّ قولان في مباشرة المصلِّي بالكفِّ، والأصحُّ عدم الوجوب.
          واحتجَّ الطحاويُّ بهذا الحديث في جواز السجود على كَوْر العَمَامة قال: لأنَّه ╕ قال: ((أُمرتُ أن أَسْجُدَ على سبعةِ أعظُمٍ))، ولو سجَدَ على باقي الأعضاء وهي مستورةٌ جاز فكذا الجبهة، وهو عجيبٌ فالفرقُ لائحٌ.
          قال البيهقيُّ: وإنَّما وجب كشف الجبهة لِمَا روى صالح بن خَيْوان وغيره أنَّه صلعم رأى رجلًا يسجدُ على جبهته. قال: وهذا المرسل شاهدٌ لحديث ابن عبَّاسٍ المذكور. قال: ولم يثبت عن النبيِّ صلعم على كَوْر العمامة شيءٌ، ورُوِّينا عن عُبَادة بن الصامت وابن عمر قريبًا من حديث صالحٍ.
          وقال الشافعيُّ في القديم: بلغنا أنَّ النبيَّ صلعم قال لرجلٍ: ((إذا سجدتَ فأَمْكِن جَبْهَتَك حتَّى تجدَ حجمَ الأرض)). وفرَّق مالكٌ بين الستر الكثيف في الجبهة فمنعه وبين الخفيف فجوَّزه.
          وقد سلف اختلاف العلماء في السجود على كَوْر العمامة في باب: السجود على الثوب في شدَّة الحرِّ فراجعه منه. [خ¦385]