التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب

          ░107▒ بَابٌ: يَقْرَأُ فِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ
          776- ذكر فيه حديث أبي قَتَادة السَّالف في باب: القراءة في الظهر فراجعه منه، [خ¦759] ويأتي أيضًا. [خ¦778]
          ░108▒ بَابُ مَنْ خَافَتَ القِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ
          777- ذكر فيه حديث خبَّابٍ السالف في باب: رفع البصر إلى الإمام. فراجعه [خ¦746].
          ░109▒ بَابُ إِذَا أَسْمَعَ الإِمَامُ الآيَةَ
          778- ذكر فيه حديث أبي قَتَادة السالف. وكذا:
          ░110▒ بَابُ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى
          779- ذكر فيه حديث أبي قَتَادة المذكور.
          ░111▒ بَابُ جَهْرِ الإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ
          وَقَالَ عَطَاءٌ: آمِينَ دُعَاءٌ. أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يُنَادِي الإِمَامَ: لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ، وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ وَيَحُضُّهُمْ عَلَيهِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا.
          780- ثمَّ ساق حديث أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلعم قال: (إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ، فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
          وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقُولُ: آمِينَ
          الشَّرح:
          أمَّا قول عطاءٍ: (آمِينَ دُعَاءٌ) فهو قول الجمهور. أي: اللهُمَّ استجب. وتعليقه: (أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ..) إلى آخره، أسنده الشافعيُّ / عن مسلم بن خالدٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ قال: كنتُ أسمع الأئمَّة: ابن الزبير ومن بعده يقولون: آمين، ويقول من خلفه: آمين حتَّى إنَّ للمسجد لجَّةً، وفي «المصنَّف»: حدَّثنا ابن عيينة قال: لعلَّه عن ابن جُرَيجٍ، عن عطاءٍ عن ابن الزبير قال: كان للمسجد رجَّةٌ _أو قال: لجَّةٌ_ إذا قال الإمام: {وَلَا الضَّالِّيْنَ}.
          ورواه ابن حزمٍ من طريق الدَّبَريِّ، عن عبد الرَّزَّاق، عن ابن جُرَيجٍ قال: قلتُ لعطاءٍ: أكان ابن الزُّبير يؤمِّنُ على إثر أمِّ القرآن؟ قال: نعم، ويؤمِّنُ مَن وراءَه حتَّى إنَّ للمسجدِ للجَّةً.
          وفي البيهقيِّ بإسناده إلى عطاءٍ قال: أدركتُ مائتين من أصحاب رسول الله صلعم ورضيَ عنهم في هذا المسجد إذا قال الإمام: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] سمعتُ لهم رجَّةً بآمين. واللَّجَّة _بفتح اللَّامين وتشديد الجيم_ الاختلاط.
          قوله: (لِلْمَسْجِدِ) أي: لأهله.
          وأمَّا أثر أبي هريرة فأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنَّفه»: حدَّثنا وكيعٌ، حدَّثنا كَثِير بن زيدٍ، عن الوليد بن رَبَاحٍ عن أبي هريرة أنَّه كان يؤذِّن بالبحرين فقال للإمام: لا تَسْبِقني بآمين، وحدَّثنا أبو أسامة، عن هشامٍ عن محمَّدٍ عنه مثله.
          ورواه البيهقيُّ من حديث أبي رافع أنَّ أبا هريرة كان يؤذِّن لمروان بن الحكم فاشترط أن لا يسبقه بـ{الضَّالِّين} حتَّى يعلم أنَّه قد دخل الصفَّ، فكان إذا قال مروان: {ولا الضَّالِّين} قال أبو هريرة: آمين، يمدُّ بها صوته، وقال: إذا وافقَ تأمينُ أهلِ الأرض تأمينَ أهلِ السماءِ غُفِر لهم.
          ورواه ابن حزمٍ مِن طريق أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّه كان مؤذِّنًا للعلاء بن الحَضْرميِّ بالبحرين، فاشترط عليه أن لا يسبقه بآمين.
          وقال ابن بطَّالٍ: معنى قول أبي هريرة للإمام: لا تسبقني بآمين. أي: لا تُحرِم في الصلاة حتَّى أفرغ من الإقامة لئلَّا تسبقني بقراءة أمِّ القرآن فيفوتني التأمين معك، وهو حجَّةٌ لمذهب الكوفيِّين، لأنَّهم يقولون: إذا بلَغَ المؤذِّن: قد قامت الصَّلاة، يجبُ على الإمام الإحرام، والفقهاء على خلافه لا يرون إحرامه إلَّا بعد تمامها وتسوية الصفوف، وقد سلف هذا في أثناء الأذان، [خ¦275] وأمَّا أثرُ ابن عمر فأخرج البيهقيُّ عنه أنَّه كان إذا قال الناس: آمين. أمَّن معهم، ورأى ذلك مِن السُّنَّة.
          وقوله: (وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا) قال ابن التِّين: أي: خيرًا موعودًا لمن فعلَه، قال: ورُوي (خبرًا) أي: حديثًا.
          وأمَّا حديث أبي هريرة فأخرجه مسلمٌ والأربعة، ومناسبته للترجمة أنَّه لمَّا كان الإمام يجهر بها، ولولا ذلك لَمَا سمعَهُ المأمومون، وكانوا مأمورين باتِّباعه في فعلِه، فالجهر عليهم كالإمام.
          و(آمِينَ) فيها خمس لغاتٍ: أفصحها بالمدِّ، . ثانيها: بالقصر، ثالثها: بالمدِّ والإمالة مخفَّفة الميم، رابعها: بالمدِّ وتشديد الميم، وأُنكرت، وفي البطلان بها وجهٌ، خامسها: القصر وتشديد الميم، وهي غريبةٌ، وقد أوضحتُ الكلام على ذلك في «لغات المنهاج» فراجعه منها.
          قال ابن الأثير: لو قال: آمين ربَّ العالمين، وغير ذلك مِن ذكر الله تعالى كان حسنًا.
          واختلف العلماء في الموافقة على أقوالٍ: أظهرها: أنَّها في القول لقوله فيما سيأتي: ((وَقَالَتِ المَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ: آمِينَ)).
          وقوله: (فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ) وقيل: الخشوع والإخلاص، وقيل: وافق الملائكة في استجابة الدعاء، وقيل: في لفظه. والملائكة: الحفظة، وفي كتاب ابن بَزِيزة: المتعاقبون.
          وقوله: (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) قال ابن بَزِيزة: أشار إلى الصغائر، وما لا يكاد ينفكُّ عنه في الغالب من اللَّمم.
          قال الداوديُّ: وقوله هذا قبل قوله في المؤمن: ((إنَّه يَخْرجُ مِن ذُنُوبه ويكونُ مَشْيهُ إلى الصَّلاة نافلةً)). وقيل: إنَّه يمكن أن يكون أحدث شيئًا في مشيه أو في المسجد أو غير ذلك فيما بين الوضوء والصلاة، وهو فيما بين العباد وربِّهم.
          إذا تقرَّر ذلك، فاختلفَ العلماء في الإمام يقول: آمين:
          فعن مالكٍ أنَّ الإمام يقول: آمين كالمأموم على حديث أبي هريرة، وهو قول أبي حنيفة والثوريِّ والليث والأوزاعيِّ والشافعيِّ وأحمد، وإسحاق وأبي ثورٍ.
          وقالت طائفةٌ: لا يقولها الإمام، وإنَّما يقول ذلك من خلْفَه، وإن كان وحدَه قالها، وحُكي عن مالكٍ في «المدوَّنة»، والمصريِّين مِن أصحابه. حُجَّة هذا القول حديث أبي هريرة الآتي: ((إذا قالَ الإمامُ: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين))، قالوا: فلو كان الإمام يقول: آمين لقال ╕: إذا قال الإمام: آمين، فقولوا: آمين. ووجدنا الفاتحة دعاءً فالإمام داعٍ والمأموم مؤمِّنٌ، وكذلك جرتِ العادة أن يدعو واحدٌ ويؤمِّن المستمع، وقد قال تعالى في قصَّة موسى وهارون {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس:89] فسمَّاهما داعيين، وإنَّما كان موسى يدعو وهارون يؤمِّن كما سلف، فدلَّ ذلك أنَّ الإمام داعٍ بما في الفاتحة والمأموم مستجيبٌ لأنَّ آمين معناها لغةً: استجِبْ له.
          واحتجَّ أهل المقالة الأولى بحديث الباب: (إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ، فَأَمِّنُوا) وذلك يدلُّ أنَّ الإمام يقول: آمين، ومعلومٌ أنَّ قول المأموم هو: آمين، كذلك ينبغي أن يكون قول الإمام، وكذلك قول أبي هريرة للإمام: لا تسبقني بآمين، يدلُّ أنَّ الإمام يؤمَّن، ألَا ترى قول ابن شهابٍ: وكان صلعم يقولُ: (آمِين).
          واختلفوا في الجهر بها، فذهب الشافعيُّ في أظهر قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثورٍ إلى الجهر بها، وحُكي عن مالكٍ أنَّ الإمام يُسرُّ بها، وهو قول الكوفيِّين، ورُوي ذلك عن عمر وعليٍّ وابن مسعودٍ وعن النخعيِّ والشعبيِّ وابن أبي ليلى. حُجَّة مَن جهر بها أنَّ تأمينه تابعٌ لتأمين الإمام، فيتبعه في كيفيَّته، ومَا أسلفناه عن ابن الزبير، حجَّةُ من أسرَّ القياس على سائر الأذكار، وقال ابن وهبٍ عن مالكٍ: لم أسمع في الجهر بها للإمام إلَّا حديث ابن شهابٍ، ولم أره في حديثٍ غيره، قال ابن التين: مرسلٌ لم يسنده، ولو أسنده لم يكن فيه دليلٌ للمتعلِّق به، لأنَّه لم يَقُل أنَّه كان يقوله في صلاة الجهر، ولعلَّه قاله فيما صلَّى سرًّا، أو فذًّا، قال الخطَّابيُّ: قوله: (فَأَمِّنُوا) يريد لمن قرب منه لأنَّ جهر الإمام بالتأمين أخفض منه بالقراءة، فقد تُسمع قراءة من لا يُسمع تأمينه.