التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال

          ░159▒ بَابُ الِانْفِتَالِ وَالِانْصِرَافِ عَنِ اليَمِينِ وَالشِّمَالِ
          وَكَانَ أَنَسٌ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَشِمالِهِ، وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى _أَوْ يَعْمِدُ_ الِانْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ.
          هذا الأثر لا يحضرُني من أسنده، نعم روى ابن أبي شيبة، عن وكيعٍ، عن سفيان، عن السُّدِّيِّ ((عن أنسٍ أنَّ النبيَّ صلعم كانَ يَنْصرفُ عن يَمِينهِ))، وفي مسلمٍ والنسائيِّ عنه: ((أكثرُ ما رأيتُ رسول الله صلعم ينصرفُ عن يمينهِ)).
          وفي «صحيح ابن حبَّان» من حديث قَبِيصة بن هُلْبٍ عن أبيه قال: ((أمَّنا رسولُ الله صلعم فكانَ ينصرفُ عن جانبيهِ جميعًا))، وأخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذيُّ، وقال: صحَّ الأمران عن رسول الله صلعم. ولابن ماجه _بإسنادٍ جيِّدٍ_ عن عمرو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: ((يَنْفَتِلُ عن يمينه ويَسَارهِ في الصَّلاة)).
          852- ثمَّ ساق البخاريُّ بإسناده من حديث سليمان عن عَمَارة بن عُمَيرٍ، / عن الأسود قال:
          قال عبد الله: لا يجعلْ أحدُكُم للشَّيطانِ عليهِ شيئًا مِن صلاتِهِ، يرى أنَّ حقًّا عليه أن لا ينصرفَ إلَّا عن يمينه، لقد رأيتُ رسولَ الله صلعم كثيرًا ينصرفُ عن شمالِهِ.
          وفي الإسناد المذكور ثلاثةٌ تابعيُّون يروي بعضهم عن بعضٍ: سليمان _وهو الأعمش_ أوَّلهم.
          وعبد الله هو ابن مسعودٍ، وأخرجه مسلمٌ وأبو داود والنسائيُّ وابن ماجه بلفظ: ((لا يجعلنَّ أحدُكُم للشَّيْطَان)). بنون التأكيد، ومعنى: ((يَرَى أنَّ حقًّا عليه)) أي واجبًا أو مسنونًا فاضلًا.
          أمَّا حُكم الباب: فالسُّنَّة أن ينصرف المصلِّي إمامًا وغيره في جهة حاجته _أيِّ جهةٍ كانت_ وإلَّا فيمينه لأنَّها أولى، وكان صلعم تارةً يفعل هذا وتارةً يفعل هذا، فأخبر كلُّ واحدٍ بما اعتقد أنَّه الأكثر فيما يفعله، فدلَّ على جوازهما، ولا كراهة في واحدٍ منهما، والكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعودٍ هي فيمن يرى وجوبَ أحدهما كما أسلفناه.
          قال ابن التين: وذلك بدعةٌ، وهي مِن الشيطان. وانفرد الحسن البصريُّ فاستحبَّ الانصراف عن اليمين، ورأى أبو عبيدة رجلًا انصرف عن يساره فقال: أمَّا هذا فقد أصاب السُّنَّة. وكان عليٌّ لا يبالي انصرف عن يمينه أو عن يساره، وعن ابن عمر مثله. وهو في «الموطَّأ» عنه أنَّه قال لواسِع بن حبَّان: إنَّ قائلًا يقول: انصرفْ عن يمينك، فإذا صلَّيت فانصرفْ حيثُ شئتَ. وهو قول النخعيِّ. وقال عليٌّ: إذا قَضَيتَ الصَّلاةَ وأنتَ تريدُ حاجتك، فإن كانت حاجتُكَ عن يمينكَ أو عن يساركَ فخذْ نحوَ حاجتِك.