التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا صلى ثم أم قومًا

          ░66▒ باب إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا.
          711- ذكر فيه حديث جابرٍ: (كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلعم ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ).
          وهو ظاهرٌ لِما ترجم له. والفرض هي الأولى على الصَّحيح عند الشَّافعيِّ، ولا يُظَنُّ بمعاذٍ أنَّه يصلِّي الأولى نافلةً؛ للنَّهي عنها عند الإقامة، وكيف يترك الفرض مع سيِّد الأئمَّة في مسجده المضاعَف ويصلِّيها بقومه؟ وقد روى الشَّافعيُّ والدَّارَقُطنيُّ في الحديث: ((هي له تطوُّعٌ ولهم مكتوبةٌ)). وأبعدُ منه تأويل بعضهم أنَّ ذلك كان أوَّل الإسلام وقت عدم القُرَّاء، أو أنَّ ذلك كان حين كانت الفريضة تُصلَّى مرتين ثمَّ نُهي عنه _كما ادَّعاه الطَّحاويُّ_ وأنَّه ◙ لم يطَّلع على ذلك؛ فقد شُكي تطويله، وقد ظهر بذلك صحَّة الفرض خلف النَّفل.
          وخالف فيه مالكٌ وأبو حنيفةَ وأحمد _في روايةٍ_ والزُّهريُّ وابن المسيِّب والنَّخَعيُّ وأبو قِلابة ورَبيعة ويحيى بن سعيدٍ والحسن _في روايةٍ_ ومجاهدٌ _فيما ذكره الطَّحاويُّ_ واستُدِلَّ بقوله صلعم: ((إنَّما جُعل الإمام ليؤتمَّ به فلا تختلفوا عليه))، قَالَ ابن بطَّالٍ: ولا اختلاف أعظم مِن اختلاف النِّيَّات. قلت: لا، فإنَّه لا يظهر به مخالفةٌ بخلاف الأفعال.
          قَالَ: ولأنَّه لو جاز بناء المفترض على صلاة المتنفِّل لَما شُرعت صلاة الخوف مع كلِّ طائفةٍ بعضُها وارتكاب الأعمال الَّتي لا تصحُّ الصَّلاة معها في غير الخوف؛ لأنَّه كان يمكنه أن يصلِّيَ مع كلِّ طائفةٍ جميع صلاته، وتكون الثَّانية له نافلةً وللطَّائفة الثَّانية فريضةً.
          قلت: فعل ذلك أيضًا في الظُّهر صلَّى بطائفةٍ ركعتين وسلَّم، ثمَّ بأخرى ركعتين وسلَّم، أخرجه الشَّافعيُّ وصحَّحه ابن حِبَّان وابن الأثير. وفعل أيضًا ذلك في المغرب كمَا صحَّحه الحاكم على شرط الشَّيخين، ووافقنا عطاءٌ وطاوس وابن المُنذر وسُليمان بن حربٍ وأبو ثَورٍ وداود وأحمد _في روايةٍ_ قَالَ ابن قُدامةَ: وأكثر أصحابنا.
          وقياس قول مالكٍ أنَّ مَن صلَّى بقومٍ وقد صلَّى يعيدون أبدًا. وَقَالَ سُحنون: يعيدون بعد اليومين والثلاثة، وإن طال فلا؛ لاختلاف الصَّحابة في ذلك. ومَن أجاز الصَّلاة خلف الصَّبيِّ صحَّح الفرض خلف النَّفل. ومنع بعضهم لأنَّ الصَّبيَّ نوى الفريضة بخلاف غيره.