التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟

          ░69▒ باب هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ _إِذَا شَكَّ_ بِقَوْلِ النَّاسِ؟
          714- ذكر فيه حديث أبي هريرةَ: (أَنَّ رَسولَ اللهِ صلعم انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ).
          هذا الحديث مهمٌّ مشتملٌ على نفائس مِن أصول الدِّين والفقه وفروعه. وقد أفردَه بعض شيوخِنا بالتَّأليف، وقد سلف بعضه في باب: التَّشبيك في الصَّلاة، حيث ذكره البخاريُّ [خ¦482]، ونذكر في كلِّ موضع ممَّا أورده البخاريُّ ما يليقُ به، وقد أخرجه مسلمٌ وأصحاب السُّنن. قَالَ الدَّارقُطنيُّ: اختُلف عن أيُّوب السَّخْتِيَانيِّ في إسناده ومتنه. فذكر الاختلاف في الإسناد، وأمَّا المتن فقال: انفرد حمَّاد بن زيدٍ مِن بين سائر الرواة بقوله: ((فأومَؤوا، أي: نعم)) والكلُّ روَوا ((قالوا: نعم)). وسبقه إلى ذلك أبو داودَ في «سننه». وهو في مسلمٍ لكنَّه لم يسُق لفظَه بل قَالَ بمعناه.
          واختلف العلماء في الإمام إذا شكَّ في صلاته فأخبره مَن خلفه مِن المأمومين أنَّه ترك شيئًا هل يرجع إلى قولهم ويترك يقينه أم لا؟ فاختُلف عن مالكٍ في ذلك فقال مرَّةً: يرجع إلى قولهم، وهو قولُ أبي حنيفةَ لأنَّهم يقولون: إنَّه يبني على غالب ظنِّه. وَقَالَ مرَّةً أخرى: يعمل على يقينه ولا يرجع إلى قولهم، وهو قول الشَّافعيِّ والصَّحيحُ عند أصحابه. وقد جاء في أبي داودَ: ((فلم يرجع حَتَّى يقَّنَه الله تعالى)). ومعنى الانصراف مِن اثنتَين: السَّلام.
          وقوله: (أَقَصُرَتْ؟) أي: صارت قصيرةً، ويجوز ضمُّ أوَّله، أي أنَّ الله قصرها.
          وقوله: (أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ) أراد به الاستثبات، وقَالَ ابن التِّين: يحتمل أن يكون قاله معتقدًا كمَال الصَّلاة، بدليل قوله في الرِّواية الأخرى: ((كلُّ ذلك لمْ يكن)) وأنه لو كان شاكًّا لأتمَّ ولصمَت، فلمَّا أخبروه طرأ عليه الشَّكُّ. ويحتمل أنَّه شكَّ؛ بإخبار ذي اليَدَين فسألهم إرادةَ تيقُّن أحد الأمرين، فلمَّا صدَّقوا ذا اليدَين تيقَّن أنَّها لم تتمَّ، وهذا الَّذي أراد البخاريُّ بدليل تبويبه.