التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صلاة الليل

          ░81▒ باب صَلاَةِ اللَّيْلِ.
          730- وذكر فيه حديثها الثَّاني وحديث زيدٍ، وكأنَّ الحذف أجود؛ لأنَّ صلاة اللَّيل له بابٌ يأتي، ولمَّا ساقه البخاريُّ في باب: أمَّا بعد، مِن الجمعة، مِن حديث عَقيلٍ عن الزُّهريِّ عن عُروةَ عنها، قَالَ: تابعه يونُس. وساقه في الصَّوم بدون هذِه المتابعة. وكلام المزِّيِّ تبعًا لخلَفٍ يوهم ذكرها في الصَّوم وليس كذلك فتنبَّه له، ومتابعة يونُس أخرجها مسلمٌ والنَّسائيُّ مطوَّلًا.
          وقد اختلف العلماء في الإمام يكون بينه وبين القوم طريقٌ أو حائطٌ، فأجازته طائفةٌ، رُوي ذلك عن أنسٍ وأبي هُريرةَ وابن سِيرين وسالمٍ. وكان عُروة يصلِّي بصلاة الإمام وهو في دارٍ بينها وبين المسجد طريقٌ. وَقَالَ مالكٌ: لا بأسَ أن يصلِّي وبينه وبينه طريقٌ أو نهرٌ صغيرٌ، وكذلك السُّفن المتقاربة يكون الإمام في إحداها أو نهرٌ صغير تجزئهم الصَّلاة معه. وَقَالَ عَطاءٌ: لا بأس أن يصلِّي بصلاة الإمام مَن علمها.
          وكرهت ذلك طائفةٌ. رُوي عن عمرَ بن الخطَّاب: إذا كان بينه وبين الإمام طريقٌ أو نهرٌ أو حائطٌ فليس هو معه. وكره الشَّعبيُّ وإبراهيم أن يكون بينهما طريقٌ. زاد إبراهيم: أو نِساءٌ. وَقَالَ الكوفيُّون: لا يجزئه إلَّا أن تكون الصُّفوف متَّصلةً في الطَّريق، وهو قول اللَّيثِ والأوزاعيِّ وأشهبَ.
          وكذلك اختلفوا فيمن صلَّى في دارٍ محجرٍ عليها بصلاة / الإمام، فأجازه عَطاءٌ وأبو حنيفةَ في الجمعة وغيرها، وبه قَالَ ابن نافعٍ صاحب مالكٍ، وجوَّزه مالكٌ إذا كان يسمع التَّكبير إلَّا في الجمعة خاصَّةً فلا تصحُّ صلاتها عندَه في موضعٍ يمنع منه في سائر الأوقات، ولا تجوز إلَّا في الجامع ورحابه. وَقَالَ الشَّافعيُّ: لا يجوز أن يصلَّي في موضع محجرٍ عليه في الجمعة وغيرها إلَّا أن تتَّصل الصُّفوف. حجَّة المجيز وهو موضع ترجمة البخاريِّ حديث عائشةَ وزيدِ بن ثابتٍ: ((أنَّه ◙ صلَّى في حجرتِه وصلَّى النَّاسُ بصلاتِه)) فلو لم تجزئهم لأخبرهم بذلك لأنه بُعث معلِّمًا، وقد كان أزواجه ◙ يصلِّين في حُجَرهنَّ بصلاته، وبعده بصلاة أصحابه، إذا لم يمنع الحائل بين الإمام والمأموم مِن تكبيرة الإحرام ولا استماع التَّكبير لم يقدح في الصَّلاة، دليلُه: الأعمى، ومَن بينه وبين الإمام صفوفٌ أو ساريةٌ فلا معنى للمنع مِن ذلك.
          قلت: والرِّواية السَّالفة أنَّه اتَّخذ حجرةً مِن حصيرٍ دالَّةٌ على أنَّ هذا لا يمنع مِن الاقتداء، وفي روايةٍ أخرى: ((فأمرني فضربتُ له حصيرًا يصلِّي عليه)) وفي أخرى: ((خرجَ مِن جوفِ اللَّيل فصلَّى في المسجد فصلَّى رجالٌ بصلاتِه)) وفي أخرى: ((احتجرَ بخصفةٍ أو حصيرٍ في المسجدِ)) وفي رواية يحيى بن سعيدٍ عن عَمْرةَ، عنها: ((صلَّى في حُجرتي والنَّاس يأتمُّون به مِن وراء الحجرةِ، يصلُّون بصلاتِه)) فلعلَّها كانت أحوالًا. والحُجرة: البيت، وكلُّ موضعٍ حُجِر عليه فهو حُجرةٌ.
          وفيه مِن الفقه _أيضًا_ ما قاله المهلَّب: جواز الائتمام بمَن لم ينو أن يكون إمامًا في تلك الصَّلاة؛ لأنَّ النَّاس ائتمَّوا به ◙ مِن وراء الحائط ولم يعقد النِّيَّة معهم على الإمامة، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ. وقد سلف.
          وفيه أيضًا أنَّ فعل النَّوافل في البيت أفضل، وروى ابن القاسم عن مالكٍ: أنَّ التَّنفل في البيوت أحبُّ إليَّ منه في مسجد النَّبِيِّ صلعم إلَّا للغُرَباء.
          وفيه جواز النَّافلة في جماعةٍ.
          وفيه أيضًا شفقته على أمَّته خشيةَ أن تُكتب عليهم صلاة اللَّيل فيعجزوا عنها، فترك الخروج لئلَّا يدخل ذلك الفعل منه في حدِّ الواجب عليهم مِن جهة الاقتداء فقط.
          وقوله: (فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ فَصَفُّوا وَرَاءَهُ) أي اجتمعوا، قَالَ ابن التِّين: كذا رُوِّيناه. وَقَالَ الخطَّابيُّ: آبُوا، أي: جاؤوا من كلِّ أَوبٍ، أي: رجعوا بعد انصرافهم.
          وفيه أنَّه يقدَّم الأهمُّ عند تعارض المصلحة وخوف المفسدة.