التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: لله أرحم بعباده من هذه بولدها

          5999- السادس: (حديث عُمَر ☺: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحَلَّبَ ثَدْيُهَا تَسْعَى إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ فأَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رسول الله صلعم: أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟).
          وقوله: (تَحلَّبُ) هو بفتح أوَّلِهِ، واللَّام مشدَّدةٌ أي تيسَّر للحِلَاب، ولا شكَّ أنَّ رحمة الصَّغير ومعانقتَهُ وتقبيله والرِّفْق به مِن الأعمال التي يرضاها الله ويُجازِي عليها، أَلَا تَرَى قوله للأقرع بن حِابسٍ حين ذكرَ ما ذكَرَ: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ) فدلَّ على أنَّ تقبيل الولد الصَّغير وحملَهُ والتحفِّي به ممَّا يستحقُّ به رحمة الله، أَلَا تَرَى حمله ◙ أُمامةَ على عاتقِهِ في الصَّلَاة، وهي أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر ◙ بلزوم الخُشُوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حمله لها في الصَّلَاة ممَّا يُضاد الخُشُوع المأمور به فيها، وكَرِه أن يشقُّ عليها لو تركها ولم يحملها في الصَّلَاة.
          وفي فِعْله ذلك أعظم الأُسوة لنا، فينبغي الاقتداءُ به في رحمة صِغار الولد وكبارهم والرِّفق بهم، ويجوز تقبيل الولد الصَّغير في سائر جسدِهِ.
          وروى جَرِيرٌ عن قَابُوسَ، عن أبيه، عن ابن عبَّاسٍ ☻ أنَّ النَّبِيَّ صلعم ((أُتي بالحَسَن بن عليٍّ ففرَّج بين فخذيهِ وقبَّل زُبَيْبَتُهُ)). وأمَّا تقبيلُ كبار الولد وسائر الأهل فقد رخَّص في ذلك العِلْماء.
          قال أشهبُ: سُئل مالكٌ عن الذي يقدُمُ مِن سفرهِ فتلقاه ابنتُهُ تقبُّله أو أختُهُ أو أهل بيته، قال: لا بأس بذلك وهذا على وجه الرِّقَّةِ وليس على وجه اللَّذَّةِ، وقد كان صلعم يُقبل ولدَهُ وبخاصَّةٍ فاطمة، وكان الصِّدِّيق يقبِّل عائِشَة، وقد فعلَ ذلك أكثر الصَّحابة وذلك / على وجه الرَّحمة.
          وفي حديث ابن عُمَر مِن الفقه أنَّه يجِبُ على المرء أن يقدِّم تعلُّم ما هو أوكدُ عليه مِن أمر دينه، وأن يُبدِله بالاستغفار والتوبة مِن أعظم ذُنوبه، وإن كانت التوبة مِن جميعها فرضاً عليه فهي مِن الأعظم أوكد، أَلَا تَرَى ابن عُمَر أنكر على السَّائل سؤالَهُ عن حكم دمِ البَعُوض وتركَهُ الاستغفار والتوبة مِن دمِ الحسين، وقرَّعه به دون سائر ذُنوبه لمكانتِهِ مِن رسول الله صلعم.