التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها}

          ░37▒ بابُ قَوْلِ اللهِ ╡: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} إلى آخِرِ الآيةِ [النِّساء:85].
          {كِفْلٌ} [النِّساء:85]: نَصِيبٌ. قال أبو مُوسَى: {كِفْلَيْنِ} [الحديد:28]: أَجْرَيْنِ، بِالحَبَشِيَّةِ.
          6028- ذكر حديث أبي موسى السَّالف في الباب قبلَهُ.
          معنى قوله (بِالحَبَشِيَّةِ) يعني: أنَّ لُغتهم في ذلك وافقَتْ لغة العرب.
          وقوله: ({كِفْلٌ}: نصيبٌ)، هو ما حكاه أهل اللُّغة، واشتقاقه مِن الكِسَاء الذي يحويه راكبُ البعير على سَنَامهِ إذا ارْتَدَفَه لئلَّا يسقط. فتأويله: يُؤتكم نَصِيبَين يحفظانكم مِن هَلَكة المعاصي كما يحفظ الكِفْل الرَّاكب. وقال ابن فارِسٍ: (الكِفْل): الضِّعْف، وقاله في «الصِّحاح» وزاد: ويُقال: إنَّه النَّصيب.
          وفيه: الحضُّ على الشَّفاعة للمؤمنين في حوائجهم، وأنَّ الشافع مأجورٌ وإن لم يَشفع في حاجته.
          وقال أهل التأويل في قوله: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النِّساء:85]. يعني: في الدُّنْيَا يكن له نصيبٌ منها في الآخرة. وقال مُجَاهِدٌ وغيره: نزلت هذه الآية في شفاعة النَّاس بعضهم لبعضٍ، وقد قيل في الآية: إنَّ الشَّفاعة الحَسَنةَ الدُّعاء للمؤمنين، والسَّيِّئة الدُّعاء عليهم، وكانت اليَهُود تدعو عليهم. وقيل: هو في قول اليَهُود: السَّام عليكم. وقيل: المعنى: مَن يكن شفيعاً لصاحبه في الجهاد يكن له نصيبٌ مِن الأجر، ومَن يكن شفيعاً لآخر في باطلٍ يكن له نصيبٌ مِن الوِزْر.
          و(الكِفْل): الوِزْر والإثم، عن الحَسَن وقَتَادَة. والقول الأوَّل أشبهُ بالحديث وأَوْلَاها بتأويل الآية كما نبَّه عليه ابن بطَّالٍ.
          فائدةٌ غريبةٌ: روى الحافِظُ المُنْذِرِيُّ في جُزْء «غُفران الذُّنُوب ما تقدَّم منها وما تأخَّر» حديث ابن عبَّاسٍ رفعَهُ: ((مَن سعى لأخيه المسلم في حاجةٍ قُضيت له أو لم تُقض غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنْبه وما تأخَّر، وكُتِبت له بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ)) ثمَّ قال: غريبٌ، ورجالٌ إسناده معروفون سوى أحمد بن بكَّارٍ.