التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرةً وعشيًا؟

          ░64▒ بَابٌ: هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ بُكْرَةً وَعَشِيًّا؟
          6079- ذكر فيه حديث عائِشَةَ ♦ قالت: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلعم طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّاً، فَبَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أبي بكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلعم.. الحديث.
          فيه: ما ترجم له، وهو جوازُ زيارة الصَّديق الملاطِف مرَّتين كلَّ يومٍ، وليس بمُعَارضٍ لحديث أبي هُرَيْرَةَ: ((زرْ غِبَّاً تزددْ حبَّاً)) ذكره أبو عُبَيدٍ في «الأمثال». وإنَّما في قوله هذا إعلامٌ منه أنَّ إغبابَ الزِّيارة أزيدُ في المحبَّة، وأثبتُ في المودَّة لأنَّ مواترة الزِّيارة والإكثار منها ربَّما أدَّت إلى الضَّجر وأبدت أخلاقاً كامنةً لا تَظْهر عند الإغباب، فآلت إلى البُغضة وكانت سبباً للقطيعة وللزُّهد في الصَّديق.
          وفي حديث عائِشَة في هذا الباب جواز زيارة الصَّديق الملاطِف لصديقِهِ كلَّ يومٍ على قَدْر حاجته إليه والانتفاعِ به في مشاركته له، فهما حديثانِ مختلفانِ ولا تعارُضَ إذ لكلِّ واحدٍ معنى، وما أحسنَ قوله:
إذا حقَّقتَ مِن شخصٍ وِدَاداً                     فَزُرْهُ وَلَا تَخَفْ مِنْهُ مَلَالاً
وَكُنْ كالشَّمْسِ تَطلُعُ كلَّ يومٍ                     وَلَا تَكُ في زِيَارتهِ هَلَالاً
          ردَّاً على قولِ الآخر:
لَا تَزُرْ مَن تُحِبُّ فِي كلِّ شَهْرٍ                     غَيْرَ يومٍ وَلَا تَزِدْهُ عَلَيهِ
فاجْتَلاءُ الهِلَالِ فِي الشَّهْرِ يَوْماً                     ثمَّ لَا تَنْظُرُ العُيونُ إِلَيْهِ
          فَصْلٌ: قولها: (فَبَيْنَا نَحْنُ) قال الجَوْهرِيُّ: بينا فعلى أُسقطت الفتحةُ فصارت ألفاً. وبينما زيدت عليه ما، والمعنى واحدٌ، وكان الأصْمَعِيُّ يخفِضُ بعد بَيْنا إذا صلح في موضعهِ بين، وغيرهُ يرفع ما بعد بَيْنَا، وبَيْنَما على الابتداء.
          و(الظَّهِيرةِ): الهَاجِرة، ونحرها: أوَّلها، قال الجَوْهرِيُّ: نَحْر النَّهار: أوَّلهُ.
          ومعنى: (يَدِينَانِ الدِّينَ): يُطيعان الله، ولم تُولَد عائِشَة إلَّا بعد مبعثه ◙ بسنتين على قول مالكِ بن أنسٍ، وعلى قولها وقول ابن عبَّاسٍ بعد المبعث بخمس سنين، وقيل: بسبعٍ. وهذا قول ابن عبَّاسٍ الآخر أنَه ◙ توفِّي ابن خمس وستِّين.
          والبُكْرة: مِن طُلوع الشَّمس إلى نصف النَّهار.
          والعَشِيُّ: ما بعد نصف النَّهار، قاله الدَّاوُدِيُّ. وقال الجَوْهرِيُّ: العشاء والعشيَّةُ مِن صلاة المغرب إلى العَتَمَة، قال: والعِشاء بالكسر والمدِّ. وزعم قومٌ أنَّ العِشاء مِن الزَّوال إلى طُلُوع الفجر، وقال ابن فارِسٍ: ويُقال العِشَاء مِن الزَّوال إلى الصَّباح والعِشَاء مِن صلاة المغرب إلى العَتَمَة.
          فائدة: فيه: زيارة الفاضل المفضول.
          فإن قلت: كان الصِّدِّيق أَوْلى بالزيارة، ولدفْعِ مشقَّة التكرار عنه. قلت: لم يكن إتيان الشارع له للزيارة، وإنَّما كان لِمَا يتزايد عنده مِن المعالم.